الكثير من الناس حولنا يمكنني أن أجزم بأن عواطفهم تطغى طغيانا شبه كامل على عقولهم و تعميهم عن التفكير السليم أو النظر من زاويا متعددة مختلفة .. فيبدو عليهم و كأنهم لا يفهمون من الحياة سوى ( مع أو ضد ) و لا يستطيعون تقبل أن هناك خيارا ثالثا يقف بين ( مع و ضد ) أي بمعنى ( لست مع و لست ضد ) .. و كلمة ( مع ) بالنسبة لحاملي العقل البدائي تعني الذوبان التام في شخصيتهم حيث تتقبل كل شيء حسنه و سيئه غثه و سمينه فليس لك حق الشك و الإعتراض أو حق أن يكون لك رأي مختلف .. و كلمة ( لست معك ) يفسرها العقل البدائي على أنها تعني ( ضد ) لكنها في الحقيقة ليست كذلك .. و سأضرب لكم مثالا تشبيهيا :

لنفترض أن لدي 05 أصدقاء يتفقون على أن طعم التفاح له أحلى طعم .. و اتفقوا كلهم على شراء التفاح لوجبة الغذاء و طلبوا مني مرافقتهم دون معرفة ذوقي و رأيي و ما أفضله أنا .. اختلفت أنا و قلت لهم أنا لا أريد التفاح و أرى بأن الموز له أحلى طعم .. و فجأة اتهموني بأنني ضدهم و بأنني على خطأ و أخذوا مني موقف سلبي و كأنني قلت لهم شتيمة .. مع أن الحقيقة هي أنني عبرت عن رأيي و ذوقي و لم أقل لهم لا تشتروا التفاح بل قلت لهم أنني أفضل الموز .. فهل يجب أن أكذب على نفسي و أقول أنني أحب التفاح حتى أرضيهم مع أنني لا أحبه حقا ؟ أليس هذا من النفاق و من خيانة حق النفس ؟

هذا التفكير المشوه و البدائي غير الناضج يعشعش مع الأسف في عقول كثير من الناس حولنا لدرجة أن الإنسان يكافح لكي يعيش بينهم لفرط جهلهم و بدائيتهم و رغبتهم في التشابه و كراهية الإختلاف و لو استطاعوا دمج الألوان لكي تصبح لونا واحدا لفعلوا ذلك .. لا يدركون بجهل و بقلة وعي أن التنوع و الإختلاف سنة من سنن الخالق في خلقه و في الكون ( هناك تنوع في كل شيء .. في الألوان .. في درجات الحرارة .. في أشكال و أحجام الصخور .. في المذاقات و الأطعمة .. في شخصيات البشر و صورهم و أجناسهم .. في أديانهم و معتقداتهم .. الخ ) . و كل هذا التنوع ضروري و فيه حكمة و سر رباني و علينا كبشر تقبله و التعايش معه كما هو دون مقاومة أو محاربة