في مساهمة قريبة ناقشنا مهارة محو الذكريات، أن ننسى بعض ما مررنا به من صعوبات وخيانات. وقد فكرت في التعليقات التي دارت بيني وبين تقوى @taqwa200، إذ رأت تقوى أن تذكر أغلب المواقف الصعبة هو أسلم حل للإنسان كي لا يتم استغلاله. فيما أرى أن النسيان نعمة وأن تذكري لغدر صديقة أو خيانة حبيب ما هو إلا معاقبة لذاتي فحسب.

بحثت في الموضوع حتى وصلت إلى متلازمة جديدة على مسامعي تُدعى متلازمة فرط الاستذكار.

وهي حالة يصاب فيها الإنسان بفرط التذكر، ويفقد قدرته على النسيان. ورغم كونها نادرة الحدوث بنسبة كبيرة جدًا، إذ لا يمكن لإنسان تذكر كل ما مر به في حياته، إلا أنه يمكن اسقاطها على المواقف الشاقة على أنفسنا.

فرط الاستذكار أو Hyperthymesia هو مصطلح علمي يطلق على الأشخاص الذين يتذكرون تفاصيل حياتهم وتجاربهم منذ الصغر وحتى آخر لحظة. إن نظر كل شخص منا إلى ذاكرته منذ سنوات سيجدها عبارة عن مقتطفات غير واضحة المعاني في أغلب الأوقات، أو شديدة الوضوح أحيانًا بقدر أهميتها. 

أما مريض فرط الاستذكار فيعيش ذكرياته وكأنها شريط فيديو يشاهده من جديد، يستيقظ كل يوم ليتذكر مواقف بأكملها، أفراح وأحزان، خيبات ومواساة، يتذكر كل شيء بمعناه الحرفي. إن سألته عن يوم 1\1\2010 سيخبرك بدرجة حرارة ذاك اليوم ومع من كان جالسًا وماذا كان يرتدي!

وهؤلاء دائمًا في حالة حرب مع ذكرياتهم، يكافحنها ويتمنون لو نسوا بعضها، تمامًا كما يكافح مريض الزهايمر من أجل تذكر بعض تفاصيل حياته.

وفقًا لما وجدته في ويكيبيديا فإن عدد المصابين بها 60 شخصُا أو أقل.

تم اكتشاف أول حالة لمتلازمة فرط الاستذكار لامرأة تُدعى جيل برايس، إذ أرسلت بريدا إلكترونيًا إلى عالم الأعصاب جيم ماكجو تخبره من خلاله بمعاناتها مع تذكر كل لحظات حياتها منذ بلوغها عمر 12 سنة، وقد شغل الأمر بال الكثير من العلماء وأجروا العديد من الأبحاث على برايس للتأكد من تذكرها لكافة تفاصيل حياتها.

صحيح أن برايس كانت تتذكر يوم وفاة زوجها، ولكن ذكرياتهما المحفورة والمصورة في عقلها كان أكبر مواسي لها، ثم ألفت كتاب أطلقت عليه "المرأة التي لا تنسى".

يرجع بعض العلماء السبب إلى النشاط المفرط لأجزاء محددة في الدماغ، أو يمكن أن يكون نفسيًا أو وراثيًا. 

والآن أي الجانبين تفضل، جانب النسيان أم الاستذكار، وبرأيك كيف يعيش مرضى فرط الاستذكار حياتهم وهل يستمتعون بها؟