كثُر الحديث عن مشاكل منصّات العمل الحُر مؤخراً ولا أريد أن أعيد وأزيد فيه، لكني سأركز على نقاط رئيسية محددة أعتقد إنها سبب المشكلة والحلول المقترحة من وجهة نظري. 

بداية، المنصّات التي تجمع طرفي المعادلة في أي مجال هي نعمة كبيرة ومفيدة جداً أمثال Uber و AirBNB وغيرها، وليست مشكلتنا مع الفكرة بحد ذاتها ولكن مساؤها التي قد تظهر في مجالات معينة وما يهمنا هنا هو مجال العمل الحُر والمجالات التي تتم عن بُعد (اونلاين) بشكل عام. 

مشكلة المكان 

واحد، تخيّل معي للحظة أن تكلفة مشوار تاكسي Uber في شوارع نيويورك هو 1 دولار للكيلو متر مثلاً، وهو نفسه بالضبط في مدينة صغيرة في مصر أو عاصمة خليجية أو مدينة سياحية أوربية، ، بغض النظر عن سعر الوقود أو تكلفة الصيانة أو ضرائب المدينة أو حجم الإزدحام أو أي من هذه العوامل. 

اثنين، في مثال أوبر، عند طلب تاكسي، سيكون هناك عدد محدود جداً من سيارات التاكسي على الشارع الذي تقف فيه، حتى لو كان هناك عشر آلاف تاكسي مسجّل في أوبر، من يظهر له طلبك هم القلّة القريبين منك مكانياً، ولن يكون هناك أي إعتبار لآلاف السائقين الآخرين. بل أكثر من ذلك، سيعرض أوبر طلبك على سائق وحيد فإن رفض طلبك يوجهه إلى سائق آخر وهكذا، لن يكون هناك مزاد تعيس تتم المزاودة به.

في منصّات العمل عن بُعد تختفي هذه الحدود، فكل السائقين يقفون بنفس الشارع الذي يقف فيه العميل وكل السائقين تحكمهم مدينة واحدة خيالية لا تعبأ بالمكان ولا الزمان ولا الإقتصاد ولا الضرائب ولا الحدود، لا شيء. ورغم إن العملية نفسها التي تتم عن طريق الإنترنت هي فعلياً لا يحكمها شيء وليست أكثر من data أو معلومات منقولة عبر الشبكة، لكننا ننسى أو نتناسى أن طرفي المعادلة هم أشخاص حقيقيون يقف كل واحد منهم في مدينة تحكمها سياسة وإقتصاد وضروف معيشية تتأثر بشكل مباشر بما يتم في تلك المدينة الخيالية الفاضلة.

مشكلة المزاد \ المسابقة 

المزاد فكرة تعيسة بحد ذاتها، وهي أن يقوم شخص ما بعرض فرصة، يتزايد عليها المهتمين سواء برفع أو إنزال السعر حسب نوع الفرصة بيع كانت أم شراء. المزاد يضع صاحب الفرصة في موقف ومرتبة أعلى ويجعل جميع المهتمين في مرتبة أدنى بالضرورة، يظهر عندها "جُور" صاحب الفرصة كطبيعة بشرية مفهومة جداً بحيث يستفيد أقصى إستفادة من عملية التبادل كأي عملية تبادل أخرى، مهما حاولتْ المنصّة أو المنظمين من تقنين هذه العملية.

هذه العميلة مُجحفة في كثير من الأوقات، لإن البائع لا يبيع سلعته بالقيمة التي يرى أنها تستحق وقته وجهده، ولكن بسبب عوامل أخرى دخيلة أنشئها النظام والسياق الذي وجد نفسه به، ولهذا نجد أن نسبة كبيرة من البائعين والمشترين على حد سواء غير سعيدين بالنتائج غالباً، لإن البائع لم يكن راضي إبتدائاً بالسعر وبالتالي لن يبذل جميع طاقته بالعمل، أو أنه كان راضي فعلاً ولكنه غير كفئ لهذا العمل وبالحالتين ستظهر نتيجة أقل من المتوقع، يخرج الإثنين خائبي الأمل في كثير من الأحيان. 

المزاد قد يصلح للسلع التراثية النادرة، للسلع المستخدمة، قد يصلح لحراج يوم الجمعة ساعتين بعد العصر، لكنه لا يصلح لإسلوب عمل يومي تعتمد عليه 100%، سيكون مُجهد وبائس ويسبب ضغط كبير يجعلك تتفرغ له بدلاً من التفرّغ لتطوير أعمالك وخبراتك. 

مشكلة التكلفة   

مع كل المشاكل السابقة الذكر وبعد أن يصل لك العميل بالسلامة ويرضى عنك أو "ترضى عنه؟" تأتي المنصّة المشرّعة للإحكام والشروط تستقطع نسبة معتبرة من ربحك كرسوم لجهودها في التوفيق بين "رآسين بالحلال".

مشكلة الإحتكار 

المنصّة كجهة مشرّعة تفرض شروطها وأحكامها وقد يكون أسوئها هو الإحتكار، بحيث تمنع أي تواصل بين البائع والمشتري خارج المنصّة ولا يحق للبائع حتى عرض روابط خارجية لحساباته الإجتماعية مثلاً وطرق التواصل معك. 

من المستفيد ؟

منصّات العمل عن بُعد في المقام الأول، وأصحاب المشاريع بدرجة أقل، وإن كان ليس دائماً.

الخاسر الأكبر هو مقدم الخدمة، البائع، تقريباً دائماً. وهذا بنظري ليس سوق صحّي مستدام طويل الأمد.  

والحل ؟ 

بكلمة واحدة، استقل

هذه المنصّات ستكون موجودة دائماً وقد تتكاثر والحل ليس في محاربتها ولكن في إيجاد حلول تناسبك أنت حسب موقفك وخبرتك وربما مجال عملك.

فإن كنت مبتدئ جداً وتبحث عن أول عملائك فقد تكون هي مكانك المثالي، أو إن كنت تعيش في بلد تكلفته المعيشية قليلة وعروض العمل مجزية ومرضية بالنسبة لك فلا ضير من استخدامها إن كنت ترى نظام المزايدة والمسابقات اليومية يناسبك.

إما إن كنت تجاوزت مرحلة المبتدئ أو حتى المتوسط، فيجب أن تقلب المعادلة، يجب أن يأتي العميل إليك ككل أسواق هذا العالم، تحدد أن تكلفتك وقيمة عملك ليقرر العميل شراء منتجك من عدمه، لا العكس. 

هذا حل مقتبض جداً، سأفصّل أكثر في الحلول المتاحة بشكل عملي أكثر، في مقال آخر، لكل مشكلة من تلك المشاكل المذكورة وغيرها التي لم يسعف الوقت لذكرها. لكني سأتوقف هنا إن كان لديكم إي نقد إقتراح أو تصحيح.