بداية كنت محتارا أين أضع هذا الموضوع !... في مجتمع نظرية التطور او في وهم نظرية التطور ؟

وأنا حقيقة هنا لا أريد أن أثبت أو أن أنفي صحة النظرية ... إنما أظن أن نقاطا حول الموضوع يغفل عنها الطرفين ..المؤيد والمعارض ، وهي ما أحاول طرحه في هذا الموضوع.

بداية لا بد من بضعة تعاريف:

العلم الطبيعي كما يتم تعريفه عادة هو النشاط الفكري والعملي الذي يشمل دراسة منهجية لبنية وسلوك العالم المادي والطبيعي من خلال الملاحظة والتجربة.

الحقيقة العلمية : أي ملاحظة علمية مؤكدة ومقبولة بشكل متكرر أو أي ملاحظة علمية لم يتم دحضها .. الحقيقة العلمية يمكن ملاحظتها او حسابها

والنظرية العلمية هي مجموعة من المقترحات المتماسكة التي وُضعت لتفسر مجموعة من "الحقائق" و"والظواهر" في العالم الطبيعي "والتي تم التأكد من صحتها" بشكل متكرر من خلال التجربة والمراقبة.

هل يعني هذا ان النظرية العلمية مثبتة ومبرهنة ؟

النظرية العلمية بشكل عام تستحضر مجموعة من الحقائق والظواهر ثم تقترح او تفترض تفسير منطقي متماسك قابل للاختبار بشكل متكرر لسبب حدوث تلك الظواهر

على عكس الفرضية التي لا تعتمد بالضرورة على حقائق انما تكون مجرد اقتراح مبدأي

مقترحات النظرية العلمية قابلة للرفض او التعديل ...لكن ذلك يتطلب ظهور ظواهر او حقائق جديدة تنفي صحة او دقة النظرية

اذاً قبول المجتمع العلمي لنظرية ما لا يعني انها مثبتة مئة بالمئة ... إنما هي النظرية التي تعطي التفسير (العلمي) الأكثر توافقا مع الظواهر والحقائق المكتشفة..

=================================================

العلم الطبيعي كما ذكرنا يدرس الظواهر "الطبيعية" في العالم "المادي" ومن خلال التجربة والملاحظة

اي ان اي ظاهرة ليست ظاهرة طبيعية في العالم المادي .. او اي ظاهرة غير قابلة للملاحظة او التجربة، هي خارج اختصاص العلم الطبيعي

لذلك لا يمكن من خلال العلم المادي اثبات او نفي وجود الله ... او تحديد طبيعة الملائكة ... لان هذه القضايا خارج اطار العالم المادي

ايضا اي نظرية علمية او اي بحث علمي سيفترض بالضرورة غياب اي قوة خارج العالم المادي ... لانه غير معني بدراستها . هذا لا يعني بالضرورة غياب احتمالية وجود هذه القوى

أما الدين فلا يستدعي (الحقائق) من الطبيعة بل من النص .... والاثبات ليس بمنطقية أو أدلة الافكار التي يطرحها النص الديني ... انما من خلال "الإيمان" بمصدر النص .... فلو آمن الانسان ان النص المقدس في دينه مصدره من الله الخالق ... فهذا يقتضي أن الكلام الموجود فيه هو الحق (حسب ايمانه) وهذا لا يحتاج لدليل (بالنسبة للشخص نفسه) واقناعه لغيره بهذه الفكرة لا يجب أن ينطلق الا من خلال اقناعه بمصدرها وليس بحجيتها...

بصيغة أخرى ... الدين يُناقش على مستوى فلسفي وليس على مستوى العلوم الطبيعية..

===================

أين تقع نظرية التطور من هذا الكلام ؟

نظرية التطور هي التفسير (العلمي) لحقائق علمية مكتشفة (في المستحاثات وما يظهر في الطبيعة) ... هي التفسير (العلمي) الأكثر منطقية لهذه الظواهر

ليست قطعية وما زال فيها فراغات ويوجد عليها اعتراضات (علمية) ونقاط ضعف

-نركز على كلمة (علمية) لان علم الاحياء (البيولوجيا) غير معنى بادلة او طروحات ليست علمية.

الدين (الاسلام مثلا) يتحدث عن خلق الانسان في زمان مجهول ومكان يسمى الجنة(مجهول أيضا)

الآن النظرية العلمية لا يمكنها ان تنفي حدوث خلق الانسان في الجنة لانها اولا كجزء من العلم الطبيعي غير معنية بما لا يمكن التحقق منه بالملاحظة او بالتجربة .

ولأننا ايضا في العلم الطبيعي لا ندرس ما يتعلق بقوى من خارج الطبيعة (الاله والملائكة والجن)

والدين بالمقابل لا يمكنه أن ينفي (علميا) نظرية التطور ... لان الدين لا يعطي حقائق طبيعية وبالتالي ليس لما يطرحه الدين قدرة على اثبات او نفي نظرية ، فكما ذكرنا سابقا لنفي نظرية علمية متماسكة نحن بحاجة لأدلة (علمية) جديدة قادرة على ابطال النظرية او تعديلها.

والانسان بين هاتين الحالتين سيتعلق اقتناعه بنظرة العلم او نظرة الدين حسب ايمانه المسبق...

فمن يؤمن بالدين (الاسلام مثلا..) سيرجح ما يطرحه نصه المقدس على ما تطرحه النظرية العلمية وإن كان غير قادرا على نفيها علمياً فهي بالنهاية نظرية (غير قابلة للاثبات القطعي 100% ، وان كانت مقبولة في المجتمع العلمي)

ومن كان يؤمن بما يطرحه العلم فقط وبالتجربة والدليل الذي تدركه الحواس ... سيرجح التفسير العلمي الذي تدعمه الادلة العلمية التجريبية ... وسيتجاهل ما يطرحه الدين - وإن كان هو ايضا غير قادر على نفي ما يطرحه الدين حول خلق الانسان من خلال العلم ... لانه بحاجة لمناقشته في المستوى الفلسفي وليس في مستوى العلم الطبيعي .

وكملاحظة اخيرة: العلم والدين يشتبكان فقط في حالة تعدي أحدهما على مجال الآخر ... كأن يحاول عالم دين ان يثبت العلم من خلال نص ديني (الاعجاز العلمي - الطب النبوي) .... أو أن يحاول علماء العلم الطبيعي نفي الدين من خلال عدم وجود ادلة تجريبية تثبت الدين (كما يفعل بعض العلماء الملحدين)