يقول أرسطو: "إذا كان هناك طريق ما أفضل من آخر فتأكد أنه طريق الطبيعة". تشكل الطبيعة ومواردها محور إهتمام الكثير من الاقتصاديين الذين يرون أن بوابة نمو الاقتصاديات هي الطبيعة. فمن موارد خام إلى موارد صالحة للإستهلاك يتم تحويل الطبيعة إلى مجموعة من المظاهر التي يستفيد منها الإنسان كالأرض التي تستخدم لزراعة شتى أنواع الخضار والفاكهة. ومن هنا فإن الزراعة تشكل محور الكون بالنسبة للفيزيوقراطية وهي مدرسة مكونة من مجموعة من الإقتصاديين الذين يرون أن الأرض تشكل مصدر ثروات الشعوب. وأما عن المجتمعات الفيزيوقراطية فهي تولي الأهمية الأكبر للزراعة وتكون فيها الصناعة والتجارة ذات مشاركة ضئيلة نسبة للزراعة.

لدى مقاربة نظرية الفيزيوقراطية بالواقع أرى أنها كانت ناجحة في المجتمعات البدائية التي كانت تعتمد إعتمادا كليا على الزراعة إلى حين ظهور أول آلة صناعية وهي ماكينة النسيج. وقد حققت حينها هذه الإقتصاديات إكتفائها الذاتي من خلال الزراعة بدون أي منازع آخر وبدون الحاجة إلى الإعتماد على مجتمعات أخرى إلا في حالة الظروف الطبيعية القاهرة التي تؤثر على النشاط الزراعي. ولكنني لم أجد بدا من سؤال نفسي: هل من الممكن تطبيق هذه النظرية اليوم، في القرن الواحد والعشرين وفي عصر النهضة الصناعية والتجارية؟

برأيي فإنه من المستحيل النهوض بالمجتمعات بدون الإعتماد على القطاعات الإنتاجية كافة. فإحتياجات الأفراد إختلفت وصارت معقدة بشكل لا يمكن تحقيقها إلا من خلال النمو المتوازن بين كافة القطاعات الإنتاجية. فإذا فإنني أعتقد أن تجربة المجتمعات الزراعية مستحيلة الحدوث إلا إذا كان الهدف تأمين الحاجات الغذائية فقط بدون النظر إلى التقدم العلمي والمعرفي.

والآن، هل تعرفون مجتمعات فيزيوقراطية تسابق معدلات نموها معدلات نمو القطاع الصناعي؟ وبأي حال ممكن أن تنجح المجتمعات الفيزيوقراطية في مواكبة التطورات العلمية والمعرفية؟