وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ 72 البقرة

يبدو لنا من الآية الكريمة أن هذا القتيل من وجهاء القوم ومن كبراء عشائر بني إسرائيل , لذلك كان قتله سبباً في إيقاد العداوة بينهم , كلٌ يدرأ التهمة عن نفسه , حتى كادوا يقتتلون ,

والله عزوجل قائم على كل نفس بما كسبت , وسيظهر الحق ويكشف الجاني ولو بعد حين , ومن رحمة الله تبارك وتعالى بالناس , ورعايته لمصالحهم قدراً وشرعاً , أنه لا توجد جريمة كاملة تامة , ولكن لابد من أثر يدل على الجاني المعتدي على حرمات الناس , وهذا ما نفهمه من قوله عزوجل " والله مخرج ما كنتم تكتمون " فحقوق الناس وحرماتهم محفوظة بحفظ الله تبارك وتعالى قدراً وشرعاً من خلال الآثار والأدلة والبينات التي يسوقها رب العالمين تبارك وتعالى لنا لتكشف عن الجاني المعتدي ,

ولكن لأن القوم عجلون ـ وهذه طبيعتهم وسجيتهم ـ لا ينتظرون تحقيقاً ولا تدقيقاً في الحادثة , ويتدافعون ويتواعدون للقتال , مما جعل نبي الله الكليم عليه السلام يستخير ربه في الأمر , خوفاً من اشتعال الفتنة بين قومه , فجاءه الأمر بأن يضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة المذبوحة في حضور القوم , فاستوى القتيل جالساً وأخبرهم بالقاتل وهو ـ حسب بعض الروايات ـ ابن أخيه ليرثه ويتزوج من ابنته ! ثم عاد إلى مضجعه كما كان ميتاً وقد انجلت عن بنى إسرائيل الغمة وكشفت عنهم سحب الفتنة العمياء التي كادت تحرقهم في أتون الشحنة والبغضاء , وهذه آية آخرى لبني إسرائيل ,فيها الرحمة والهداية لعلهم يتعقلون ويكفوا عن الإندفاع والهوج في كل فتنة . 

ثم لما طال عليهم الأمد تناسوا كل هذه الآيات , وانسلخوا من كل مظاهر الإيمان, إلا من الدعوى العريضة باللسان , وليي ألسنتهم بالكتاب ليحسب العامة والدهماء انهم علماء , ليشتروا به ثمناً قليلاً , وكلما أتاهم عرض قريب مثله يؤخذوه , وتمنوا على الله تبارك وتعالى الأماني وغرهم بالله تعالى الغرور , فلما أرادوا أكل الدنيا بالدين , احتاجوا لتحريف الكلم عن مواضعه , وكتم الحق إلا قليلاً , ونسخ وتبديل أحكام الله تبارك وتعالى , عندئذٍ ضرب الله تبارك وتعالى قلوب بعضهم ببعض , فصارت اشد قسوة من الحجارة , لأننا نرى الأنهار تتفجر من بين الصخور والحجارة , وهم أنفسهم آبائهم وأجدادهم كانوا يشربون من حجر يتشقق منه الماء العذب الفرات , كما نرى صدوع الجبال الصخرية تنهار هابطة من خشية الله تبارك وتعالى , كل هذه المشاهد المتحركة الحية للماء والشلالات والصخور والجنان والثمار التي عمرت بها الجبال والوديان التي تعرضها الآية الكريمة تأسر القلب وتوقظ الحس , وتنبه العقل , كل ذلك لم يؤثر في اليهود الذين ورثوا القسوة والجحود , ولم تحرك لهم ساكناً , ولم تتشقق منه قلوبهم , وتهبط من تيه الكبر والغطرسة إلى رحابة السجود خشية وتواضعاً لله تبارك وتعالى .