على أنغام الانتصارات الفلسطينية المبهرة ودوي صواريخ المقاومة المزلزلة، وعلى ألحان تكتيكات المقاومة العربية الرائعة، تتجلى قصص نجاح أسطورية لشعب فلسطين الأبي، ولكن هذه المرة ليست في الميدان العسكري، بل في ميدان التعليم والمعرفة. فكيف استطاعت المخيمات الفلسطينية أن تقوم بتحرير عملية التعليم لتوفير التعليم المناسب لأطفالهم الذي يلبي احتياجاتهم ويعترف بقضيتهم ويستجيب لقوتهم الفريدة كمجتمع نازح يؤمن بحق العودة وتقرير المصير؟
لطالما واجهت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التحديات والقيود الاستعمارية التي تفرضها سلطات الكيان الصهيوني من ناحية وتحكمات منظمات الإغاثة الإتسانية من ناحية أخرى. فالتعليم المقدم كجزء من المساعدات الإنسانية قد ينقذ الفلسطينيين من الجهل، لكنه في الوقت نفسه يمنعهم من أن يصبحوا مثقفين. فقد وضع المانحون الدوليون معايير لتعليم اللاجئين الفلسطينيين للامتثال لها، مما يؤدي إلى وجود فجوات تعليمية كبيرة.
على الرغم من ذلك، نجح الفلسطينيون في اتباع طرق وأساليب تربوية بديلة استطاعت أن تملأ هذه الفجوة. فقد حول الفلسطينيون المخيم لمساحة مشاركة تعليمية يتبادلون فيها قصصهم ويفسرون واقعهم من خلال المقارنة والتأمل واسترجاع الذكريات، فضلاً عن إبداعاتهم في تشكيل هويات سياسية، وقدرتهم على التفكير الناقد لدراسة تطوير إمكانيات المقاومة.
ولمواجهة المناهج الاستعمارية التي تزيف حقائق الأرض والتاريخ، يجسد الفلسطينيون التراث الفلسطيني في قصائدهم وأغانيهم وقصصهم وطقوسهم لأنها الهوية التي يرغبون لأبنائهم أن يكتسبوها. كما يعكس الطلاب الفلسطينيون تاريخهم وثقافتهم على رسومات الجدران وتزيين الطرقات والقيام بالاحتجاجات ومحاكاة أساليب المقاومة العسكرية، بالإضافة إلى عقيدتهم يأن وجودهم في المخيم هو وسيلة لمقاومة الاحتلال وتأكيد حق العودة.
كما نجح الفلسطينيون في تقعيل المبادرات المحلية التي تعمل على تحسين جودة التعليم في المخيمات الفلسطينية مثل إنشاء عدد من المدارس المحلية لتقوم بتطوير برامج تعليمية تعكس الهوية والثقافة الفلسطينية، وتركز على تعليم التاريخ والثقافة الفلسطينية بشكل متكامل، وتوفر بيئة تعليمية داعمة، وتدرب المعلمين على أساليب التدريس الحديثة والمناسبة. فالمخيمات الفلسطينية تشهد نشاطًا مجتمعيًا قويًا، حيث يعمل الأهالي والمجتمع المحلي على تنظيم مجموعات ودورات تعليمية غير رسمية. يتم تقديم هذه الدورات من قبل المتطوعين المحليين وتستهدف مختلف المراحل العمرية والمواضيع، مثل القراءة والكتابة والرياضيات واللغات والفنون.
وقد أثمر التعاون بين هذه المبادرات المحلية وبعض المنظمات غير الحكومية عن تقديم برامج تعليمية متنوعة في المخيمات، تشمل التعليم الأكاديمي والتدريب المهني والتطوير الشخصي، ساهمت في تعزيز المهارات اللغوية والحسابية والتكنولوجية، وتوفير الموارد التعليمية اللازمة وتحسين البنية التحتية.
وهناك العديد من قصص النجاح في تطوير التعليم في المخيمات الفلسطينية للاجئين. فعلى سييل المثال، يعد مشروع "ترابي" في مخيم جباليا بقطاع غزة أحد الأمثلة الناجحة في تطوير التعليم في المخيمات، ويهدف هذا المشروع إلى توفير برامج تعليمية مبتكرة ومستدامة للأطفال في المخيم. كما يركز مشروع "تكافل" في مخيم البقعة بالأردن على تعزيز التعليم وتنمية الوعي وتشجيع المشاركة المجتمعية في العملية التعليمية.
ويهدف مشروع "تمكين" في مخيم عين الحلوة بلبنان إلى تعزيز التعليم وتطوير مهارات الشباب في المخيم. ويتضمن المشروع برامج تعليمية مثل القراءة والكتابة والرياضيات، وكذلك دورات تدريبية في مجالات مثل التكنولوجيا والحرف اليدوية والموسيقى. ويهدف المشروع أيضًا إلى توفير فرص العمل وتعزيز ريادة الأعمال بين الشباب. كما يستهدف مشروع "المعرفة والمستقبل" في مخيم الزعتري بالأردن تحسين جودة التعليم في المخيم من خلال توفير الدروس التعليمية المبتكرة والمواد التعليمية والتقنيات الحديثة لتعزيز تفاعل الطلاب وتحفيزهم على التعلم.
وختاماً، قد يستغرب البعض من تلك المحاولات المثابرة للفلسطينيين في امتلاك تعليمهم الخاص والتحرر من قيود برامج الإغاثة الإنسانية ومكافحة نقص الموارد المالية وضعف البنى التحتية التعليمية، إلا أنه ينبغى علينا ألا يقتصر دورنا عند مجرد الاستغراب أو التصفيق والتهليل أو نقرات الإعجاب على صفحات التواصل الإجتماعي. فطريق الفلسطينيين نحو التحرر التعليمي ينتظر من كافة التربويين العرب الدعم الفعلي سواء أكان ذلك دعماً مادياً أو فنياً يواكب حجم التحديات والمتغيرات التي تشهدها القضية الفلسطينية. فلله در القائل: "فلسطين في القلب دوماً وليس يوماً".
المراجع:-
El Masri, Y. (2022). Decolonizing education in Bourj Albarajenah: cosmologies of a Palestinian refugee camp. Globalizations, 1-18.
Irfan, A. E. (2021). Educating Palestinian refugees: The origins of UNRWA’s unique schooling system. Journal of Refugee Studies, 34(1), 1037-1059