المجرم - بقلم ماهر عساف

في قراءة معاصرة حول المجرم في كتاب الله يتبين لنا ان المجرم هو من قطع صلته بالله ، فنقول الجزار يجرم اللحم ، أي يقوم بقطه وفصله عن العظم ، وعكس المسلم في كتاب الله هو المجرم ، لأن المجرم يقطع صلته بالله عز وجل .

لذلك حين جاءت الآيات تبين لنا ان قطع الصلة بالله هي الإجرام ، قال تعالى ( فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ (31) وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ) سورة القيامة 31 ، والصلاة في هذه الآية تتحدث عن قطيعة مع الله ، وليس المقصود بالصلاة هنا الصلاة ذات الركوع والسجود بل هي ارتباط عقدي ينفعل بالفكر والسلوك فلا يسمح لإنسان بأن يكون مجرما .

وفي كتاب الله فرق كبير بين مفردة الصلاة وبين أقم الصلاة لأن أقم الصلاة يقصد بها عمل شعائري من ركوع وسجود متتم لمفهوم ارتباط المسلم بالله فيصل قلبه بالله وتكون إقامة الصلاة شعيرة من شعائر التعظيم لله ، فهناك مسلم وصل قلبه وعقله وسلوكه بالله وامتنع عن فعل الإجرام فهو مصل ، واما من قطع صلته بالله فاصبح مجرما .

لذلك جاءت الآيات الكريمة تبين لنا من هم المجرمين ومن هم المصلين ، فالفعل المجرد صلى في الآيات ليس لها علاقة بالظهر والعصر والمغرب او الركوع والسجود ، وهي تختلف عن إقامة الصلاة .

اذا لدينا مفهومين في كتاب الله يتعلق بالفعل صلى :

 المفهوم الأول مفردة صلى تعني الصلة بالله بالقول والفعل والسلوك .

والمفهوم الثاني : فعل صلى المرتبط بأقم الصلاة ، ومعناه أداء الصلاة الحركية من ركوع وسجود .

فقال سبحانه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) سورة الأعلى .

وتوضح الآيات ذلك من خلال قوله سبحانه : ( كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ )

هذه الآيات تبين بوضوح من هم المصلين ومن هم المجرمين ، فالمجرمين الذين قطعوا صلتهم بالله ، ولم يكونوا متصلين به بقلوبهم وعقولهم وسلوكهم ، وارتكبوا أفعال الإجرام سواء بفكرهم او سلوكهم ومعتقدهم .

بقي أن نقول أن الصلاة وردت في كتاب الله 99 مرة ترددت بين مفردة وبين المركب اقم بكل التصريفات والمباني اللغوية ، ولكن الجهود في بيان معنى الصلة اختزلت في معنى الصلاة الشعائرية من ركوع وسجود ، والحقيقة ان مدلولاتها اعمق واعظم من هذا الاختزال ، والذي يدل على ضحالة المعرفة ، والقطيعة المعرفية القائمة على توارث الأفكار والمفاهيم والأدوات دون محاولة تدبر النص القرآني ، فتحولت مفاهيم الدين الى مفاهيم مختزلة في الشعائر علما أن كتاب الله اشتمل على الشعائر والشرائع والقصص القرآني والصراط المستقيم والغيبيات .

وحين يقول سبحانه ويل للمصلين ، فهو لا يقصد الصلة ذات الركوع والسجود وانما يقصد انقطاع الصلة القلبية والعقلية والسلوكية فاستحقوا الويل الذي هو للمجرمين .

وفي ما ورد عن النبي الكريم: (إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ من عمَلِهِ الصلاةُ ، فإنْ صلُحَتْ فقدْ أفلَحَ وأنْجَحَ ، وإنْ فسَدَتْ فقدْ خابَ وخسر .. ) فالصلاة هنا بمعنى الصلة بالله والبعد عن الإجرام وليس كما يقول الكثيرين ان الصلاة يقصد بها الصلاة ذات الركوع والسجود .