رسالةُ أسيرٍ



(ملاحظة: القصّة من محض الخيال، وأي تشابه مع الواقع فهو صدفة لا أكثر.) 

فكّ قيدي يا هٰذا، أنت تؤلم يدي، ما بكَ أيّها الجندي الصّهيوني؟! 

هؤلاء الأوغاد هجموا على منزلنا في الخليل وقت صلاة المغرب، وأخذوني من أمام ناظري أمّي، لم يبالوا بصرخاتها ورجائها 

بعدم اعتقالي، فتًى في الثّامنة عشرة من عمره! 

أنا مُكبّل بِالأصفاد، مُحاطٌ بِخمسةِ جنودٍ من الإسرائيليّين، موجّهين الأسلحة نحوي، ونحو أمّي، يدفعون بها عنّي، هي متمسّكةٌ بي تناديني يا أحمد، أحمد، مع دموعِ عينيها الّتي تجري على خدّيها، يُجرّونني بِقوّة، هنا أنا بعد أن أخذوني لمركزٍ خاصٍّ بالتّحقيقات، كنتُ أصرخ وأشتم بِهم، لم أفهم ما يتفوّهون بهِ، فقط لاحظتُ أحدهم يحاروني بِالعربية، فظننتُ أنّهُ إسرائيليٌّ وَيعرف اللّغة العربيّة، لكن للأسف عرفت أنّه مِنْ بلدي فلسطين، خائنٌ ملعون! 

قلتُ لهُ: أتجور ضدّي أَيّها اللّعين؟! أين ذهب عقلك العربي؟! أين غيرتك العربية؟ تبًّا لكَ أيّها القذر، غضبَ بشدّةٍ فقام بِضربي بِبندقيّتهِ، ركلني عدّة مرّات ٍ بِقدمه حتّى كسر إحدى عظام صدري، فأنا لم أسكت أبدًا حتّى لو أنّهم قاموا بِضربي، وحتّى بات الدّم يسيل من كلّ جسدي فَفقدتُ الوعي وأنا على هذا الحال، فقتُ بعدها وحالي جسدٌ بلا روحٍ، بالكاد أتنفّس، شعرتُ بالألم في كلّ جسدي، لا أستطيع التّحرك، في زنزانةٍ مُظلمةٍ فيها رائحة الدّماء الملطّخة على أربع جهاتٍ تفوح بالمكان من حولي، من شدّة الألم أصرخُ، أبكي، لأنّهم فعلًا عذّبوني على شيءٍ ما لا أعرفهُ، بلا ماءٍ ولا طعامٍ، لقد متُ بالفعل لولا إصراري على العيش، 

لكنتُ حقًّا ميّتًا، ثمّ يرسلونني جثّةً هامدةً إلى أمّي، إنّي في خضم التّفكير المليء بالآهات. 

فتح باب زنزانتي جنديٌّ طويلٌ، ضخم البنية، شكلهُ غريبٌ، أرى نارًا فِي عينيه تشتعل، بدا كأنّهُ يريد قتلي فعلًا، خشيتُ على نفسي متراجعًا للوراء وهو متقدمٌ نحوي، حتٍى وصل قرب وجهي وقال: أترمي جنودنا بِالحجارة، هل أنت شجاعٌ لكي تدافع عن بلدك؟ بتُ أفكّرُ بماذا سأجيبه؟ أتنفّس بِصعوبةٍ، فكّرتُ للحظاتٍ لو أنّني أجبتهُ بِنعم فلن يرحمني أبدًا، وإن أجبتهُ بِلا سوف يغضبُ لأنّني أكذب عليهِ، فَقلتُ في نفسي في الحالتين سيؤذيني لذا أجبتهُ: نعم، أنا شجاعٌ وأدافع عن بلدي ضدّ المحتلِّ _هُنا فعلاً أقررت على نفسي بالموت_ شجاعٌ وَلن أتراجع عن حقّي بالأرض. 

أتعلمون ما كان ردّهُ؟! مع إعجابهُ بِردّي قام بِصفعي مرّة واحدة، لكنّها كانت تعادل خمسين صفعة، حتّى تورّم وجهي كلّهُ، وعيناي قد أغلقتا، ثمّ نمتُ نومة حسبتُ أنّني لن أستيقظ منها أبدًا. تحسّنت حالتي خلال ثلاثة أشهرٍ، أعاني كَالوحيد ليس له ناصرٌ و لا مُعينٌ، ولو رأتني أمّي بِهذا الشّكل لن تتعرّف عليّ وستنكرني! 

ثلاثةُ أشهرٍ وأنا أقاوم الألم، التّعذيب المستمر، التّنكيل بي، فهمتُ لغتهم السّاذجة، بتُ أعرف ما يتكلّمون بهِ من حولي، فعلًا أكادُ أفقدُ عقلي، لا أنسى إهانتي بِكلامٍ جارحٍ ومعذّبٍ للنّفسِ، ولا أنسى تكرار عبارات القذارة، صرخاتهم المستمرّة بوجهي، مُجبرٌ على الاستماع إليهم، ويجبرونني على التّعري أمامهم كلّ ليلةٍ، يسمّوني: "المثلي الجنسي"، ألفاظهم الشّنيعة تجعلني أردّ عليهم بما أملك من العبارات، لكنّني سجينٌ وحيدٌ وسط وحوشٍ لا تعرف الرّحمة، يمكنكم القول أنّهم ذئابٌ تحوم حولي، تنهشني كلّ يومٍ، يريدون شرب دمي وأنا على قيد الحياة، لقد أرهقتُ جدًّا. 

بعد الثلاثة أشهر، قضيتُ خمسة أشهر في سجنٍ آخر، نفس المعاناة، ذات الأساليب الجبانة، لكنّني لا أنسى وجه ذلك العربيِّ الّذي طعن قلبي بِأفعالهِ تلك، الّذي شوّه وجهي بِعباراتهِ تلك، الّذي كسر أضلاعي بِخيانته، الكلام لا يصف عمق الجرح الّذي أحدثهُ ذلك "العربيّ الصّهيوني"، لَم هذا يحدث؟! 

أعتقد أنّه نسي أنّ للأرض حق... 

لا بدّ أن تعود الأرض لأهلها، لا بدّ للمقاومة أن تنتصر، وعدٌ من الأبطال تحرير فلسطين قريبًا، ثمّ بعد ثمانية أشهر ما زلتُ مُشتاق لعائلتي، لشمس بلادي، للقدس، لكلّ شيءٍ، رغم تعذيبي وترهيبي، والصّعق المستمرّ بالكهرباء، لن أنسى بلادي وقضيتي، لن يرعبني نباح الكلاب، لن أعجز عنها أبدًا، أنا دمّي فلسطيني، والدّم الفلسطينيُّ ثمينٌ للغاية، ودم أهل إسرائيل رخيص. سيسحق أبطالُ التّحرير أنصارَ اليهود الّذين هم خائفون من الوحدات التّحريرية الفلسطينيّة، سيأتي اليوم الّذي أحاكم كَمجرم مخرّب ضدّ الاحتلال، أدخل المحكمة المزيفة، نصفي ميت والنّصف الآخر ما زال مقاومًا، حكموا عليّ بِالسّجن مدّة ثلاثة سنوات، ومنعوا أحبّائي من زيارتي، ثمّ تدهورت حالتي. خائفٌ للغاية إن علم الجنود بِهذه الرّسالة فسأفقد حياتي حينها، وأمّي سوف تبكي ألمًا عليّ، أرجو إيصالها لأمّي بِكلّ أمانةٍ، وسأعود إليكم يا أعزّاء قلبي، لا تنسوني وادعوا لي بالسّلامة. 

أحمد نجيب فلسطين 

مها الخفاجي 

العراق