في زمنٍ تُقاس فيه الحياة بعدد الإشعارات، وعدد المتابعين، وعدد الردود على كل فكرة، يبدو الانسحاب من الضجيج وكأنه فعلٌ غريب، بل شبه جريمة اجتماعية. لكن ماذا لو كان هذا الانسحاب هو الفعل الأكثر صدقًا؟
الضجيج لا يعني الصوت فقط، بل يعني التشتت، التداخل، كثرة الوجوه التي لا تحمل معنى، وكثرة الحوارات التي لا تُفضي إلى شيء. الضجيج هو أن تكون حاضرًا في كل مكان، وغائبًا عن نفسك.
الانسحاب من هذا الضجيج ليس هروبًا، بل عودة. عودة إلى الذات التي ضاعت بين الإشعارات، إلى الأفكار التي لم تُكتمل لأن كل دقيقة تقاطعها نافذة جديدة.
الصمت هنا ليس فراغًا، بل مساحة للتنفس. هو لحظة نقرر فيها أن نعيد ترتيب الداخل، أن نسمع صوتنا الحقيقي دون مؤثرات خارجية.
في الفلسفة، يُقال إن الإنسان لا يُعرف إلا حين يُترك وحده. لأن الوحدة تكشف ما أخفاه الزحام، وتُظهر ما غطّته المجاملات.
الانسحاب من الضجيج هو مقاومة ناعمة، لا تُرفع فيها شعارات، ولا تُكتب فيها بيانات. هي مقاومة تبدأ حين نغلق نافذة، ونفتح كتابًا، أو نحدّق في جدار ونفكر دون أن نُقاطع أنفسنا.
في هذا الانسحاب، لا نخسر أحدًا، بل نستعيد أنفسنا. لأن السلام الداخلي ليس ترفًا، بل ضرورة لمن يريد أن يبقى إنسانًا وسط عالمٍ يتسابق نحو اللاشيء.
سؤال للنقاش: الانسحاب من الضجيج ليس دائمًا ضعفًا، بل قد يكون لحظة صدق مع الذات. فهل نعتبره هروبًا من مواجهة الآخرين، أم شجاعة في مواجهة أنفسنا؟
التعليقات