التكنولوجيا اليوم أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهي التي غيّرت طرق التواصل والتعلم والعمل وحتى التفكير. البعض يراها أداة قرّبت المسافات وجعلت العالم قرية صغيرة، حيث أصبح بإمكان أي شخص أن يتواصل مع آخر في أي مكان وزمان. بينما يرى آخرون أنها لم تجعل العالم أقرب، بل زادت من تعقيده وحوّلته إلى عالم واسع يزرع العزلة ويضعف الروابط الإنسانية الحقيقية. ويبقى السؤال قائمًا: هل هذا التأثير كان مدروسًا ومخططًا له من البداية، أم أنه خرج عن سيطرة الإنسان، أم أنّه ببساطة انعكاس لفطرة البشر الذين قد يُحسنون استعمال الأشياء أحيانًا ويخطئون في استعمالها أحيانًا أخرى؟
هل قرّبتنا التكنولوجيا أم زادتنا بُعدًا؟
أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي كأي تقنية جديدة، هي سلاح ذو حدين. فعلى النطاق الواسع، لا شك أنها قد سهلت التواصل بين البشر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وألغت الحواجز الجغرافية. ولكنها في نطاق أضيق، قد أحدثت تأثيرًا معاكسًا، حيث مزقت الرابط الإنسانية الحقيقية وفتتت العلاقات المباشرة بين المجموعات الصغيرة، سواء كانت أسرية أو مجتمعية قريبة. الأمر كله يعتمد على قدرة الإنسان على التحكم في استخدامه لهذه الوسائل بوعي ومسؤولية، والتفريق بين التواصل الافتراضي والتفاعل الواقعي الضروري.
لا أرى الأمر برمته مدروسًا ومخططًا له بهذا الشكل السلبي الذي آل إليه، بل خرج عن التحكم شيئًا فشيئًا. وهذا أمر طبيعي؛ لأنه ككل اختراع جديد، يبدأ بأهداف محددة، ثم يبدع الإنسان ويستنبط طرقًا متنوعة لاستغلاله بما يتجاوز النية الأصلية، فتظهر أهداف وتأثيرات أخرى لم تكن بالحسبان.
التعليقات