أحيانًا يكون العطاء أوسع من البحر، وأحيانًا أضيق من ثقب إبرة. ليس المال هو المقياس، بل النية التي تسبق اليد، والرحمة التي تسبق الكلمات.فما أقسى أن يُعطى الفقير بيدٍ باردة، بينما تُسكب النِّعم بسخاء على من لا يحتاج…
«كرمٌ على المسرح وقسوة خلف الكواليس»
رأيت فتاة من محيطي، تقف أمام مشهد سيبقى محفورًا في ذاكرتي. جاءت إليها جارة يعلو وجهها غبار الحاجة ودموع القلق، تتوسل بعض المال لتشتري الدواء لطفلها المريض. لحظة إنسانية صافية، كان يمكن أن تُكتب فيها رحمة، لكنها قوبلت ببرود واستعلاء، وبنظرات تحمل احتقارًا أكثر من أي كلمة. وقد أمرنا الله تعالى وبكل وضوح في القرآن بألا نرد السائل: "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ" ...
ويا للمفارقة… حين كانت الفتاة بين صديقاتها المترفات، كانت تتحول إلى شخصية أخرى: الهدايا الثمينة تُقدَّم بسخاء، الدعوات تُنثر كالمطر، والابتسامات تُرصّع كل كلمة. هناك، حيث الأضواء، يتجلى كرمها كأنه عرض مسرحي، بينما في الظل، حيث الحاجة الحقيقية، ينطفئ القلب وتبرد اليد.
القرآن الكريم حذّر من السلوك المماثل للرياء الاجتماعي في الإنفاق:
"وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا"
فالكرم الذي يُنتظر أن يصفّق له الناس، لا يساوي شيئًا عند الله، فالنية أثقل من المال، والصدق أعمق من المظاهر.
ويبقى السؤال: لماذا يظهر البعض أنهم كرماء أمام الناس رياءً وتفاخرًا، بينما يعاملون المحتاجين بجفاء واستعلاء؟! وماذا يمكن أن نستخلص من هذا التناقض المرير؟
التعليقات