اكتسبت الإتجاهات النسوية سمعة سيئة جدا في الأونة الأخيرة، حتى أصبحت لوحدها حدثا فكريا مثير للاهتمام: تعنيف، كلمات غاضبة، اتهامات متبادلة، وموجة من السخرية أو التشويه، وغالبية هذه السلوكيات تأتي من أشخاص لم يقرأوا كتاباً واحداً عن النسوية، ولا يعرفون حتى ماهي وما مطالبها، الغريب أن هذا الهجوم لا يأتي فقط من مناهضي المساواة التقليديين، بل أحياناً من نساء يرفضن أن يتم وصفهن بـ "نسويات".
باعتبار أني أستاذة في الجامعة، أدرس مقياس يسمى " تيارات فكرية معاصرة" قررت أن أجري تجربة بسيطة على طلابي، وهي أن أبدء معهم النقاش حول تلك القضايا التي تطرحها الفلسفات النسوية، بدون أن أفصح لهم بشكل مباشر على أنها فلسفة نسوية، الغريب أن الطلبة تفعلوا بشكل مذهل مع الموضوع، وأعجبوا بشدة بالأفكار التي تطرحها، واعتبروها قضايا عادلة وضرورة حتمية للنساء، ثم فجأة وعند الإنتهاء من الشرح،قلت: طيب ، هل تعلمون ماهي الfeminism ؟
قالوا: أعوذ بالله يا أستاذة تلك فئة ضالة، مهرطقة تسعى إلى هدم البيوت!
قلت: من منكم قرأ كتاب واحد عن النسوية؟ لم يجب أحد.
قلت: طيب، من منكم يعرف أبرز أعلام النسوية الغربيين أو العرب؟، أيضا لا أحد يجيب.
قلت: كل ما شرحته سابقا وأعجبكم ودافعتهم عنه، أنما هو أفكار الفلسفات النسوية.
-------
هذه التجربة من قلب الجامعة التي يُفترض أن تكون أكثر الفئات إطلاعاً وتسامحا مع الفكر المختلف نثير سؤال مُلح ومهم:
كيف تحوّل خطاب يفترض أن يدافع عن حقوق المرأة ويطرح إشكاليات وقضايا عادلة في حقها إلى ساحة للمزايدات والقتال المفتوح ضدها؟ لماذا صارت كلمة "نسوية" تُستعمل كشتيمة في بعض السياقات، بينما في أخرى تُرفع كراية فخر؟
لا أطرح هذا السؤال لأدافع أو أهاجم، بل لأني أرى مفارقة غريبة:لماذا الحركات الحقوقية الأخرى بتعاطف أكبر، بينما النسوية تجذب موجات من الغضب حتى في أبسط مطالبها؟
التعليقات