اقف متأملة، معارض الكتب، المكتبات، ومواقع الكتب الالكترونية، اطرق للحظات، ثم اعود اتأمل عناوين الكتب (يقولون لاتحكم على الكتاب من غلافة؟ اقول احكم عليه من عنوانه لابد أن العنوان يحمل دلالة ما إن لم تكن عن الكتاب فعن فكر الكاتب، عن نمط تفكيره، عن شخصيته... الخ هل إختار اسما معقدًا خالياً من المعنى فقط لغرض التسويق؟ ام انه مباشر واضح وصريح؟). سأكون واضحة مباشرة ولن أُزخرف كلامي، إن الكتب الاكثر مبيعاً والأكثر انتشارًا في عالمنا العربي ظاهرة يستشف منها المتأمل على سطحية الجيل الجديد، حسنا؟ مالجديد؟ كلام متوقع صحيح؟ قاله الكثيرون؟ ياله من اكتشاف؟ هدئ من روعك، انا لا مشكلة لدي مع السطحية(لا تصدقني) ، كن سطحياََ بقدر ماتشاء ولكن الا يمكنك أن تنوع هذه السطحية قليلاََ؟ احقا ليس هنالك مواضيع جديدة للكتابة عنها؟ انني استلقي أحياناً وأفكر، اطرح الأسئلة، اقول " ياترى ما تأثير المرايا على وعي الانسان بنفسه ؟" "متى أُخترعت الساعة وما أثرها على نفسية الكائن البشري وعلى سياق التاريخ الحديث؟" "ماذا كان سيحدث لو... الخ" اسأل نفسي أحيانا عن حقائق الكيمياء وتداعبني خيالات فيزيائية بين الحين والاخر، اسأل عن وزن السحب (ويا إللهي كم صدمت عندما عرفت انها تقاس بالأطنان!) وعندما امتلئ بالحماس واشعر برغبة عارمة في التهام معارف الكون، أن اقرأ في التاريخ، في الحضارة في الثقافة، في الكيمياء والفيزياء اذهب كعادتي للبحث عن كتب تروي نهمي الفكري، عن كتب اصادقها، واقضي معها ساعات طوال نتحدث فيها عن الفلكلور عن عادات الشعوب، عن تاريخ الامم عن كل ماكان، كتب ياسادة كتب! فماذا اجد؟ هل أجد فكراً؟ لا، بل كل ما اراه أمامي هي ذات المواضيع، روايات ساذجة، رومنسيات تافهة، كتب ذات تفكير غربي مادي واستهلاكي عن "تطوير" الذات لجعلها تستلذ الاستعباد الرأسمالي وخدمة رؤوساء الشركات العالمية، كتب "علم نفس" التي كتبها هواة غير مختصين فقط لكي لا يفوتهم الترند، أجد على ارُف المكتبات هراء والكثير من العبث اللغوي، ولكي اكون اكثر دقة انا هنا اتحدث عن المنتوج العربي، لان صدمتي كانت عندما علمت ان تأملاتي هذه والتي ظننتها ساذجة وطفولية قد أُلفت فيها مجلدات، كتب ورويات لا حصر لها بالأنجليزية!! لقد قمت بتنزيل كتاب (كتاااب ياسادة) يتحدث فقط عن غربة الانسان عن العالم المحسوس! كتاب يتكلم بالكامل عن كيف فقد الانسان اتصاله بالطبيعة اسهب الكتاب في الحديث عن علاقة الحضارات القديمة بالكون وبالمخلوقات الأخرى، وهذا وانا لم ابحث كثيراً، كلما بحثت كلما اكتشفت اكثر، قرأت مقدمة كتاب في احد المرات وكان الكتاب - حرفياً- يتحدث عن انواع الزهور وتاريخها والاساطير التي كان القدماء يؤمنون بها عن هذه الزهور. (ليس علي ان اقول لكم ان أي من هذه الكتب لم يترجم صحيح؟ انتم - ياسادة- أذكياء بما فيه الكفاية لتفطنوا لهذا اليس كذلك؟ ) . قد تظن عزيزي القارئ انني اهزي! فمن هذا "الاحمق" الذي قد يهتم بمثل هذه المواضيع والعالم يحترق؟ انا، انا وغيري كثر، والأمر ليس عن هذه المواضيع بالذات بل عن فقر العقل العربي وجفاق ينبوعه، احيانا اعود للقراء في كتب القدماء من السلف والادباء فأجد من العمق والفلسفة واللغة ما اكاد اقسم ان هؤلاء الناس لو قدموا إلى زماننا الحالي لقتلوا انفسهم ألما وحسرة (اقراوء فصل التأمل في في خواتيم كتاب مفتاح دار السعادة لأبن القيم مثلاََ) . ختاماً كانت هذه فضفضة لا أكثر ولا اقل، اتمنى ان يأتي اليوم الذي يتغير فيه هذه الواقع. وربما أستخدمت التعميم بإفراط، ربما اكون مخطئةً كذلك ،ربما انا لم ابحث جيداََ؟ ربما هنالك من يقضي الان أيامه هو يؤلف كتاباً او يكتب رواية ستفتح باباً جديداً وعالماً اخر مختلفاً وزاهياً لعقولنا التي جفت. او ربما علي تعلم الانجليزية وحسب :)
عن الزهور والفلكلور؟؟ افي كتب كهذه يهدر الحبر؟
شكراً لك ياعبير على اضفاء طابع رومنسي و متجاوز لكومة الكلمات هذه (رغم كونها حقا مجرد فضفضة) ولكن بالنسبة لسؤالك انه يشبه سؤال البيضة والدجاجة "من أتى أولا؟" لا اعلم حقا كيف اجيبه لا اعلم متى بدأ الانهيار ومتى بدأت تظهر التصدعات والشروخ في الفكر العربي حتى وصلنا الى حالنا هذا، لا اعلم من رمى النرد اولا؟ لطالما كانت التفاهة الادبية حاضرة حتى في القدم ولكنها كانت معروفة، اصحابها منبوذون اجتماعياً ،كتبهم يسخر منها علانية دون توجس او قلق من الهجوم، كانوا هم انفسهم يدركون انهم مهرجون في بلاط الملك وكانوا متسامحين مع انفسهم، لذا اذا أقررنا بهذا فقد يكون من "المنطقي" ان تكون المشكلة في القُراء اكثر من كونها في الكُتاب، ربما لو اعرضنا عن التفاهة لذبلت وماتت ووجد الكتاب الجيدون مساحة اكبر ليظهروا إبداعهم، ربما لو زاد وعي القارئ، لو اسس الجيل منذ طفولته على الجدية في الفكر والعمل عندها ستتغير ميوله وبالتالي يتغير منتوجه الادبي فالأدب انعكاس-غالباً- للواقع الفكري للجيل ، ولكن لان الكاتب ايضا ابن زمانه لا ينفك عنه فهو ايضا عليه عتاب كبير(اقصد هنا الكاتب الحقيقي والذي يملك حقاً أمراً يقدمه وليس الكاتب الذي يصف الكلمات) فقد باع روحه لتفاهة فكر جمهوره ....اه ياللهي! استسلم هنا وأسأل:" من اتى اولا البيضة ام الدجاجة؟ "
كلماتك رغم وصفك لها بأنها فضفضة إلا أنها تلامس جوهر الإشكال بصدق وشفافية وكأنها تحفر في عمق السؤال الذي حيّر أجيالا من المسؤول عن الانحدار الأدبي والفكري الكاتب أم القارئ الدجاجة أم البيضة
ربما لا تكمن الإجابة في من بدأ أولا بل في كيف تشكلت العلاقة بين الطرفين فالقارئ يساهم بذائقته في تشكيل الذائقة العامة والكاتب بدوره يغذي هذه الذائقة بما يقدمه من محتوى وبينهما دائرة تأثير متبادلة قد تبدأ من أي طرف لكنها لا تستمر إلا بتواطؤ الطرفين أو وعيهما معا
فحين يغيب الوعي الجمالي والفكري عن القارئ يتسع سوق التفاهة
وحين يرضخ الكاتب لإرضاء هذا السوق تتجذر التفاهة وتتشكل كمعيار
لكن يظل الأمل معقودا على لحظات الصحو التي تصنع فارقا حين يقرر القارئ أن يرتقي وحين يصر الكاتب الحقيقي على المقاومة بالصبر والمضمون مهما كانت الضوضاء عالية من حوله
أما سؤالك الأخير
فربما لا نملك جوابا قاطعا عن من أتى أولا
لكننا نملك مسؤولية من سيبدأ الإصلاح أولا
لطالما غرقت في التحليل، أريد ان أمسك خيوط البدايات، أسأل كثيرا "من بدأ؟ متى؟ أين؟ لماذا ؟" الأن أعيد التفكير، ربما استغرقت كثيرًا في هذا الامر وأهملت البحث عن الحلول. بشكل - لا واعي- تجاهلت حقيقة أن هذه الأسئلة ماهي إلا مجرد البداية وأن الغاية هي احداث الفرق، كسر البيضة والخروج منها.
شكراً لك على تذكيري بالقضية الأكثر أهمية.
التعليقات