بسم الله الرحمن الرحيم

الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

يبدو أن هناك تحالف وثيق بين الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية، وقد يكون من دون هذا التحالف لن تُصبح الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها الحالية ونفوذها القوي والعالمي الحالي، وكذلك لن تكون الصهيونية بقوتها الحالية وسطوتها الطاغية على الغرب، ولن تكون إسرائيل بقوتها الحالية ونفوذها القوي في الغرب.

ولكن بوجود التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية، تحصل أمريكا على قوتها ونفوذها الحالي وكذلك تحصلان الصهيونية وإسرائيل على قوتهما ونفوذهما وسطوْتهما الحالية. ويبدو أن الصهيونية تنزع قناعها وتُظهر وجهها الحقيقي في إسرائيل، ولكن يبدو أنها عندما تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تتحدث بلغة المصالح والمنافع المشتركة بينهما.

وعندما يحكم رئيس جديد الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو وكأن الصهيونية تحكم قبضتها عليه قدر الإمكان بأن تعرض عليه ما لديها من نفوذ وقوة وسطوة ومال، ليحقق ما يطمح إليه لصالح أمريكا وأيضاً يحقق ما تطمح إليه الصهيونية، ولكن عندما يشارف الرئيس على مغادرة منصبه أو تبدأ مكانته بالتزعزع فإن الصهيونية تبدو وكأنها تبدأ تخفف من قبضتها على الرئيس، لتلتفت إلى الرئيس المُقبل، لتُعيد الكرّة معه وتبدأ بإحكام قبضتها عليه، مما يتيح للرئيس الحالي أن يتحرر قليلاً من قبضتها، فيبدأ بالتصرّف بطريقة مستقلة بعض الشيء.

وقد يكون هذا مصير الولايات المتحدة الأمريكية في الغد وبعد أن تفقد قوتها أو تحكّمها في العالم، فقد تبدأ الصهيونية بالبحث عن بديل لها، فلا يبدو أن الصهيونية متعلّقة عاطفياً بالولايات المتحدة بشكل خاص، بخلاف ما بينها وبين إسرائيل التي تربطها بها علاقة عاطفية متينة وقوية وعميقة، وعلى الأغلب لن تتمسّك الصهيونية بالولايات المتحدة أثناء سقوطها، بخلاف تمسّكها الشديد بإسرائيل لدرجة أن تكاد تغرس أنيابها ومخالبها في عظام إسرائيل لتحملها وتمنعها من السقوط، بل يبدو أن الصهيونية ستتخلّى عن الولايات المتحدة إذا بدأت بالسقوط لتبحث لنفسها عن حاضن جديد.

وقد يكون حال الصهيونية في السابق وأثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، في حال توازن حيث يبدو إنها كانت تستخدم الاتحاد السوفيتي للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الاتحاد السوفيتي، فيبدو أن نفوذ الصهيونية كان موزّعاً على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، فلم يكن يضرّها كثيراً أيّهما ينتصر في الحرب الباردة، ولكن يبدو إنه كان معظم نفوذها وثقلها في الجانب الأمريكي، وذلك لأن الصهيونية قد تكون رأت في أن الاتحاد السوفيتي لن يسمح لها بالتجذّر فيه كثيراً أو عميقاً في حالة زال خطر الولايات المتحدة وزال الضغط التي كانت تمثّله في الاتحاد السوفيتي وذلك خلافاً للولايات المتحدة التي سمحت للصهيونية بأن تتجذّر وتتعمّق فيها، ولكن عندما انتهت الحرب الباردة وضعت الصهيونية معظم ثقلها على الجانب الأمريكي، مما صبّ ذلك في صالح إسرائيل، حيث لم يعد هناك من يردع أمريكا من دعم إسرائيل بأي شيء تريده، وفي أي وقت تريده. كما إن الصهيونية تبدو أنها قد وزّعت نفوذها بين الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي توزيعاً متوازناً، فلم يعد كذلك يهمّها من يفوز بالرئاسة من الحزبيْن في أغلب الأحيان، فكلا الحزبيْن يخضعان إلى حدٍّ ما لنفوذها ويطلبان رضاها، وذلك قد يكون السبب في أننا لا نرى في معظم الأحيان فرق جوهري بين الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، فيما يتعلّق بمصالح الصهيونية ومصالح إسرائيل، فلن نستغرب كثيراً إذا كان الرئيس الأمريكي في أقصى اليسار أن قد يُصبح بين ليلة وضحاها في أقصى اليمين إذا ما تعرّضت مصالح الصهيونية وإسرائيل للخطر.

وقد يكون هذا العصر الأمريكي هو العصر الذهبي للصهيونية، بسبب التحالف الوثيق بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ولتقارب المصالح لدرجة تكاد تندمج مصالحهما معاً، ولا يكاد يُعرف الفرق بين مصالحهما. وعندما يحين الوقت الذي ترى فيه الصهيونية ضعف الولايات المتحدة الأمريكية أو بدأ سقوطها، فإنها قد تبدأ البحث عن دولة غيرها لتأخذ مكان أمريكا، على أن يكون البديل قادر على أن يحقق المطامح الصهيونية، ولذلك فإن أوروبا التي قد لا تمثّل سوى باحة للبيت الأبيض في نظر الصهيونية غير قادرة على تحمّل عبئ مطامحها، وبالتالي فستضطر الصهيونية للبحث عن جانب أقوى، لتعرض عليه خدماتها من مال وقوة ونفوذ عالمي. وبسبب موقفها من حرب أوكرانيا قد تكون أفسدت الصهيونية حالياً فرصتها في اتّخاذ روسيا بديلاً عن أمريكا. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية قد لا تزال في قمّة قوتها في الوقت الحالي، ولكن صورتها تشوّهت تشوهاً عظيماً في حرب غزّة، بسبب إسرائيل، وبدأت تُصبح الولايات المتحدة وكأنها تقف لوحدها أو مع قلّة قليلة في جانب، ويقف العالم كلّه في الجانب الآخر، مما يعني أنه قد تسقط الولايات المتحدة الأمريكية وهي في قمّة قوتها إن استمرّت في ارتكاب الأخطاء العظيمة وفي اندفاعها المتهوّر لإنقاذ إسرائيل.

وفي الختام، يبدو أن الصهيونية تحقق جزءاً عظيماً من طموحها في إسرائيل وتبسط جسدها كما تشاء فيها، دون تحرّج أو وجَل، مما يعني أن مهاجمة إسرائيل أو تهديدها هو تهديد مباشر للصهيونية ولجزء كبير من كيانها إن لم يكن معظمه، مما قد يُفسّر سبب اهتياج الصهيونية الشديد حول العالم منذ طوفان الأقصى.

 أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي قد تكون بالنسبة للصهيونية يدها القوية وفأسها العظيم الذي تُلوّح به في وجه العالم كلّه، كما إن الصهيونية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أشبه ما تكون أيضاً بسلاحها الأعظم الذي قد ترى بأن عليها أن تفعل كل شيء للاحتفاظ به... هذا والله أعلم.