من أين أبدأ وكيف، أشياء ثقيلة داخلي، كلمات واخبار ومواقف كلها أحجار تراكمت فوق بعضها، لم انتبه لها إلا حينما بدأت تحجب النور في صدري، لابد من إخراجها حتى لا يزداد الأمر سوء ويحل الظلام وأفقد وجهتي.

أحتاج بعض الكلمات تحمل هذه الأحجار وأخرجها من داخلي، ولن أخفيك سراً أن الأحجار قبيحة المنظر، فعذراً لكل من وقعت عينه على أحجاري فهذه أوجاعي وآلامي، فلا أنت مضطر للنظر إليها ولا أنا مسؤولاً عن قبحها.

نسيت أن أخبرك أني قد بلغت الأربعين ولا أعرف ماذا حل بي، لقد تفاجأت أني تغيرت بالكامل، ربما تلك أعراض الأربعين، أيكون هذا هو النضج المنشود!! أم أنها المبالاة في أبهى صورها!!

لم أعد مواظب على تصفح تطبيقات التواصل الاجتماعي بشكل يومي، ولكني مازلت متصل بعض الشيء، أدخل بين الحين والآخر، ودائماً يُعرض علي منشورات من الذاكرة كانت من سنوات مضت، حينها اتأكد ان ذلك الشخص لم يكن هو ما أنا عليه الآن، لقد شعرت بنغصة في معدتي حينما قابلت منشوراً عن الحب!!!

وعلى هذه الخطى تغيرت قناعاتي نحو إبداء الرأي في الحياة عامة وفي السياسة بشكل خاص، ربما لسوء المناخ الاجتماعي والسياسي في عصرنا، أو ربما هي الأعراض الأربعينية!!

أتساءل أحيانا هل ينبغي أن أشاهد كل ما يحدث حولي وأن أعرف كل هذه الأخبار، وإن لم يكن من باب العلم بالشي فالأولى أن يكون من باب من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

أحياناً أقول في نفسي مالي ولكل ما يحدث حولي، يكفيني نفسي وأهلي، يحضرني قول عبدالمطلب للبيت رب يحميه، لماذا عليّ أن أعيش هذا الألم الذي ليس لي يد فيه ولا استطيع عمل أي شيء، لماذا علي مشاهدة كل هذا الظلم الذي يحدث، لماذا علي أن أرى أوجاع الآخرين وآلامهم، أما تكفيني أوجاعي وغربتي، أنا عالق في صراعات لا تنتهي، غريب عن أولادي وأهلي، ضعيف لا أقوى على نفسي، أنتصر عليها جولة وتنتصر علي جوالات، أما تكفيني صراعاتي.

الأخبار أصبحت كإعصار نار لا يتوقف، وتفوح من صدري رائحة شيء ما يحترق، أدركت أن الوعي جحيم يُغرق أهل المعرفة، فأنا لا أدعي علم أصبته، بل أن الجهل من سماتي، ولكنها أقدار لا أدري كيف وإلى أين قذفتني، أحتاج طوق للنجاة وإن كان الجهل هو منقذي، كفانا جحيم ولنرسو على النعيم.

الأمر أصبح مخيف بشكل جنوني، لم يعد هذا العقل قادر على استيعاب هذا الكم الكبير من الأخبار السيئة، كما أن الأخبار الجيدة أصبحت كالزئبق الأحمر نادرة الوجود، أسمع ذلك الصوت داخلك ينعتني بالتشاؤم، يا أخي إنه واقع أراه في كل خبر واشاهده في كل مكان حولي.

وبالرجوع إلى تساؤلاتي التي لا تنقطع، والتفكر في أمر المسلمين، ماذا عن أولئك الذين اهتموا بأمر المسلمين في عصرنا هذا بالذات؟؟ لقد فقدوا حرياتهم والبعض فقد حياته والآخر لزم الصمت، هل الأمر يستحق هذا العناء وهذه التضحية؟ هل حقاً أولئك المسلمون في هذا الزمان يستحقون أن أفقد حريتي وربما حياتي من أجلهم؟

أرى وإن كانت رؤيتي غير ملزمة لأحد كما أنها ليست صواب مطلق وليست معيار لأي شيء سوى قناعاتي الداخلية وما ارتضاه قلبي، إننا في صراع عظيم، ليس مع أحد ولكنه مع النفس، ولا شيء يستحق التضحية سوى الله عز وجل، وإن كنا مسؤولون عن المسلمون فسوف نُسأل عن أنفسنا في البداية، وبكل أسف نحن إلى الآن مهزومون داخلياً.

والنفس هي الأساس للإنسان، فإن صحلت صلح الأساس وصعد الإنسان يناطح السحاب، وإن فسدت النفس فسد الأساس ولن ترى له أي قامة أو قيمة، ونفس المؤمن غالية لا تبيعها بثمن بخس ولا ترضى لها القبيح من الدنيا.

وأخيراً حين ترى الإسلام ظاهراً على المسلم، في حديثه وأفعاله وسماته، لاشي يشغله سوى رضى خالقه، حينها يكون قد انتصر على نفسه وهزمها شر الهزيمة، بعدها ستجده يهتم بكل من هم تحته وحوله وسترى أثر ذلك في العالم بأكمله.

كانت تلك بعض أحجاري الغريبة، والتمس لك كل العذر إن لم ترى فيها ما يسرك، فمقصودي الأول والأخير هو إزاحة القليل عن صدري، وأسال الله العظيم أن يغفر لي جهلي وتقصيري، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل والحمد لله رب العالمين.