خلفية سريعة:

ولكن بداية ربما تود أن تستمع لموسيقى الفيلم المذهلة التي ألفها جون ويليلمز :

الرواية كتبت في التسعينيات على يد الكاتب الأمريكي آرثر غولدن الي تشبّع بالثقافة اليابانية عن طريق دراسته وإقامته في اليابان لعدة سنوات، افتتن الكاتب من خلال تجربته بالثقافة اليابانية و خاصة الغيشا، و هو ثقافة منغلقة على نفسها إلى حد كبير و خاصة في ذلك الوقت،و لك أن تتفهم حجم التكتم الكبير على حياة الغيشا خاصة بعد أن واجه الكاتب الحبس بتهمة إفشاء أسرار غيشا متقاعدة كان قد قابلها في أثناء كتابة روايته.


الرواية:

تبدأ الرواية و تنتهي على لسان فتاة تدعى تشيو، تعيش تشيو مع عائلتها الفقيرة جداً في بلدة صغيرة اسمها يورويدو، تبدأ القصة عندما تبدأ تشيو تصف طبيعة حياتها في هذه القرية ، فأمها مريضة و أبيها رجل كبير طاعن بالسن، العقدة الأولى في الرواية تبدأ عندما تذهب تشيو إلى السوق و تلتقي السيد تاناكا بعد أن تتعثر بالسوق، لسذاجة تشيو تعتقد أن السيد تناكا سيتبناها هي و أختها الكبرى بعد وفاة أمها، خاصة بعد أن سمعت حديث والدها معه و عدم قدرته على رعايتهما لفقره و كبره بالسن، و هذه الفكرة التي خطرت ببالها تشكلت بعد سماع الوعود الجميلة التي قطعها السيد تاناكا لرعاية الفتاتين، لا يكاد السيد تاناكا يصل إلى القرية المُجاورة مع الأختين إلا وقد باع أخت تشيو للدعارة و تشيو إلى بيت أوكيا لتعمل فيه كخادمة..

الأوكيا هو المكان الذي تجري فيه معظم الأحداث و هو البيت الذي تقيم فيه الغيشا، و في هذه الأوكيا توجد مع الغيشا خدم و أم، عمة،و أخت..ليسو أقارب بالضرورة و لكن يكون كل لقب أشبه برتبة في هذا المنزل، فالجدة هي التي تقوم بإدارة الأوكيا و العمة تقوم بتدبير المواعيد المهمة، أخت الغيشا ترافقها غالباً و "تتعلم" منها و هكذا.....

بينما تشيو تخدم في الأوكيا تلتقي في أحد الأيام صدفةً بالرئيس [1 ] في إحتفال من احتفالات الربيع، تراه محاطاً بفتيات جميلات -غيشا- و هن ما تبدأ تتكشف أمامها حياتهن وتفتتن بها لاحقاً، و هنا تبدأ القصة الحقيقية عندما تعاهد تشيو نفسها على أن تفعل المستحيل لتتحول من خادمة غيشا..

رأي بالرواية:

لدي تقييمين للرواية، إذا كنت ستأخذ الرواية "كرواية" فإني أعطيها 3 نجوم أما إذا كنت تقرأها كوسيلة لتتعرف على الثقافة اليابانية فإني أعطيها 5 نجوم.

تستطيع بالرواية أن تشعر بالكثير من النضج الشخصي و التطور على شخصية تشيو التي تروي القصة من أن كان عمرها بضعة سنوات حتى بعد أن تتجاوز مرحلة متقدمة من عمرها.

وصف تشيو (التي تعرّف عن نفسها بسايوري لاحقاً كغيشا) لكل ما يحيط بها دقيق للغاية، بدءاً من انفعالاتها الشخصية و انفعالات من حولها، كذلك لا تنسى وصفها الدقيق للغاية لتقاليد الغيشا و عاداتهم و ملبسهم و مشربهم و حتى كيف يعتنين بأنفسهن.

مثلاً: قد يستغرق الكاتب ( على لسان تشيو) بوصف الكيمونو بدرجو دقيقة جداً قد تصل إلى صفحتين كاملتين، أو يعطيك تفصيل دقيق عن كيفية تجميل الغيشا وجهها إلى حد قد يستغرق بالوصف أكثر من ثلاث صفحات.

من هذا طبعاً تستطيع أن تتكهن بأن الرواية ليست بالقصيرة فهي تقترب من 500 صفحة، و لكن شخصياً ما كنت لأحذف أي تفصيل منها.

يقوم الكاتب بإعطاء القارئ نظرة بانورامية على حياة الغيشا من الداخل و الخارج و تأثرها بالسياسة و الإقتصاد الياباني كما هي الحياة و النزاعات الشخصية و المشاكل و التحالفات التي تحصل في الأوكيا و بيوت الشاي الأخرى.

الفيلم:

تحفة بصرية بكل ما تعنيه الكلمة، قد يكون هذا انعكاس لوصف الكاتب الدقيق لحياة الغيشا، و لكن كالعادة الفيلم لا يعطي و لا حتى خُمس التفاصيل الموجودة في الرواية و هذه بنظري تفاصيل مهمة جداُ لتتعرف على حياة الغيشا حقيقة و رغم أن الفيلم اكتفى ببعض التلميحات و لكن هذا لا يعفي من كمية الإختصارات الهائلة من الرواية.


شخصياً شاهدت الفيلم قبل قراءة الكتاب، و لهذا استغرقت بقراءة الرواية ببطى لأقارن بينهما، و رغم جمال الفيلم فإنه لا يعطي إلا لمحة صغيرة عن الرواية و لا يكفي لتتعرف على طبيعة التقاليد اليابانية.

مثلاً:

مهمة الغيشا الترفيه عن الضيوف الذين يكون أغلبهم من الرجال، صب الساكي، الرقص (رقصات تقليدية) العزف على الشامسن، إلقاء النكات إلخ، كل هذا ضمن قيود شديدة جداً جميعها تصب في القاعدة الأساسية : ترك القليل للخيال، ماذا يعني هذا: الغيشا الناجحة تترك ضيوفها يرغبون بالمزيد، هذه اللقاءات و الجلسات مدفوع ثمنها بمبالغ طائلة تعود بالنفع على الأوكيا و توزع الأرباح على قاطنيها وفق قواعد متفق عليها، كما يُكرم الضيوف الغيشا بهدايا بمبالغ خيالية و كل هذا علاقته طردية مع مدى نجاحها و زيادة الطلب عليها.

بالفيلم أهمل جانب تفصيل مهام الغيشا و درجات الغيشا التي تمر بها من أن تكون متدربة و كيف تمر بمرحلة "رابطة الأخوة" مع غيشا محترفة إلى أن تصبح غيشا مستقلة، كما أهمل وصف المهام الموكلة لكل رتبة من هذه الرتبة، فمثلاً الغيشا المتدربة تكون أشبه بمرافقة للغيشا الأخت و يقتصر دورها على مراقبة الغيشا و التعلّم و لديها مهام محدددة بصب الساكي أو مرافقة ضيف إلى الحمام –هذه حقيقية و من الكتاب و خاصة بالمتدربات- كما يختلف لباس كل رتبة منهن و طريقة تزيين شعرهن و تصفيفه.

كذلك يهمل الفيلم تفصيل الكثير من القواعد التي تتطبقها الغيشا و صعوبة تطبيقها و التدرب عليها، فمثلا صب الساكي لا يبدو سهلا كما تجعله الغيشا يبدو، فالكيمونو أكمامه واسعة و طويلة و مع هذا فلا يجب أن تظهر يدها أثناء صب الساكي إلا بمقدار محدد.

هناك تفصيل مهم أهمله الفيلم و إن لمح إليه وهو من أهم محاور نجاح الغيشا و ما يحدد سعر الطلب عليها ما يدعو باليابانية mizagu

هذه من المراحل المهمة في حياة الغيشا و التي تُبنى عليها سائر نجاحاتها المهنية و هي فعليّا أشبه بمزاد على عذريتها، الغريب بالموضوع أن هذه المزايدات تتم بأوساط محترمة جداً دون خجل و لكن عادة ما تكون القائمة سريّة ، أما السعرالمدفوع فيكون معروف علناً.

بالنسبة للغيشا فهم يعتبرن فنانات بالدرجة الأولى بتأديتهن أنواع تقليدية من الفنون الشعبية و تختلف عن "الدعارة" و بالنسبة للمجتمع الياباني فليس من الغريب أن تكون الغيشا مفخرة لهم، و هنا وجب التوضيح أن الغيشا تختلف في طريقة لباسها عن فتيات الليل عن طريقة عقدة الكيمونو ( الأوبي) التي تكون مربوطة للخلف في حالة الغيشا.


الحقيقة أنني كنت أحب الغيشا و طريقتهم في الكلام و الرقص و لباسهم، و لكن بعد أن تعرفت إلى عالمهم الحقيقي تغيرت فكرتي بشكل جذري و إن كنت لا زلت أظن أن هيئتهم الخارجية أنيقة، فالغيشا –بصراحة- يقومون بالكثير من الأمور المُهينة و الغريبة و الصعبة و المملة، بالطبع ضمن سياق ثقافتهم الموضوع مختلف و هذا رأيي الشخصي بالنهاية.

كذلك – القليل من الحرق- حبكة الرواية الأساسية سخيفة ، فسبب تحول تشيو و إصرارها على أن تكون غيشا سخيف جداً فهي تقوم بكل هذا لإنها حرفيا تركض وراء الرئيس و تفعل المستحيل لأن تكون بقربه غاضةً النظر عن كمية الإستعباد و التهميش لنفسها لتصل لهذه المرحلة.

هذا من ضمن مقاطعي المفضلة في الفيلم ، مقاطع هاتسوموتو جميعها رائعة :]

من قرأ الرواية أو شاهد الفيلم، ما رأيك فيه و ما الذي أعجبك أم لم يعجبك؟


[1 ] نسيت المنصب الذي يشغره بالضبط و لكن يشار إليه برتبة chairman ، أظن كان يترأس مجموعة شركات أو شيء كهذا..