بسم الله الرحمن الرحيم
مُقتطَف من كتاب ( ( حقيقتنا المُطلَقة ) الحياة والكون وقدر الإنسان )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد،،،
كتاب ( ( حقيقتنا المُطلَقة ) الحياة والكون وقدر الإنسان )، تأليف: إدريان كوبر، نقله إلى العربية: أ.د. منذر محمود محمد، الناشر: دار الفرقد، الطبعة الأولى: 2019م.
( كل ما قد يرد إلى خيال قاطني هذه العوالم الطيفية وأكثر، هو في متناول أيديهم؛ ففي العوالم الطيفية، هناك المسارح وقاعات الموسيقى والمطاعم والمكتبات الضخمة والتكنولوجيا والحدائق؛ وكل ما هو موجود في عالم الأرض المادي، وما كان موجوداً وما سيوجد في المستقبل. كل شيء قد يحتاجه المرء متوفر وفي متناول يديه؛ ولا يمكن لنفس أن تكون منعزلة عن الآخرين إلا إذا رغبت هي بذلك. هناك أسباب تجعل من العوالم الطيفية تبدو وكأنها هي "الجنة" بالنسبة للبعض، إلى أن يحين الوقت ليتقدموا باتجاه العوالم ذات العجائب الأعظم والمتمثلة في الممالك الروحية للحياة، والتي ستبدو بدورها وكأنها هي الجنة مقارنة بالعوالم الطيفية. فمن هم خارج هذه العوالم لا يستوعبون عادة كنهَ عَظَمَةِ أوضاع الحياة والحقيقة الداخلية ). الصفحة ( 244 - 245 ).
{ إن ما يدعوه المؤلف بالعوالم الطيفية لا تبدو وكأنها هي "الجنة"، بل هي الجنة بحقيقتها، ففيها إشباع كل الرغبات الأرضية التي قد تخطر على البال، أما قوله: ولا يمكن لنفس أن تكون منعزلة عن الآخرين إلا إذا رغبت هي بذلك. كقوله تعالى: (( ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35))). [سورة ق] [آية: 34،35 ].
وقوله تعالى: ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾
[ فصلت: 31].
أما الممالك الروحية للحياة، فهي تتمثّل في إشباع كل تلك الرغبات الدنيوية في الجنة، حتى لا يبقى لها أثر لدى الإنسان، فلا تبقى لديه رغبات دنيويَّة أو أرضيَّة بسبب إشباعه لها في الجنة، وحال هذا الإنسان يكون مثل القسيس المسيحي الذي يكون قد تخلّى عن كل رغباته الدنيوية ولم تبقى لديه سوى حاجاته والتي تكاد تكون فقط حاجات أساسية للجسد كالطعام والشراب والمأوى والماء للإغتسال والشرب والملابس كسِتر ودفئ له.
فالإنسان يبدأ بالمهد أي بمهد الطفولة والرُضَّع ثم يتخلّى عن هذا المهد ويشبّ ويمضي في مُعترك الحياة، ثم يعود كالمخلوق الذي يعود إلى موطن عشّ والديه ليبني عشَّه وينجب أولاده الذين سيتّبعون نفس مساره وطريقة نموّه في الحياة فيبدأون من المهد وينتهون إلى اللَّحد، ولَحد المرء هنا هو العودة إلى موطن عشّ والديه ليبني عشّه ولَحده في الوقت نفسه، فكذلك هو القسيس قد تخلّى عن كل رغباته الدنيوية، فيبدو وكأنه قبر نفسه ولم يعد لديه أي رغبات يُشبعها، ولأجل أن يمضي القسيس في طريقه كما مضى من قبل وهو طفل في مُعترك الحياة وترك المهد يجب عليه هو أيضاً القسيس أن يترك اللّحد ويمضي في مُعترك الحياة مجدداً، فيجب أن يتلفَّع بلحده ليكون لحده هو إحرامه، فيتطوّر القسيس من قسيس إلى راهب أو مُحرم، ويبقى ليس لديه أي رغبات سوى رغبة واحدة تُصبح لديه بعد أن يترك القسوسة وهي الرغبة في إشباع رغبات الآخرين، بجمع الصدقات لهم وعلاجهم من الأمراض النفسيَّة والجسديَّة وتوفير كل ما يحتاجونه في الحياة من رغبات دنيويّة وأرضيَّة حتى يرتقوا إلى خالقهم فإمّا أن يدخلهم إلى الجنّة أو إلى النار.
وبالنسبة لأهل الجنة يبدو وكأن التخلّي عن الرغبات هي الجنة التالية بالنسبة لهم ورغبتهم التالية التي يريدون بلوغها والوصول إليها بعد وصولهم إلى الجنّة، كما قال الكاتب: " إلى أن يحين الوقت ليتقدموا باتجاه العوالم ذات العجائب الأعظم والمتمثلة في الممالك الروحية للحياة، والتي ستبدو بدورها وكأنها هي الجنة مقارنة بالعوالم الطيفية "… هذا والله أعلم والأقدم الأقدم هو الأعلم والسلام علينا وعلى الأقدم الأقدم سلامٌ دائمٌ لا يزول.
كتاب ( ( حقيقتنا المُطلَقة ) الحياة والكون وقدر الإنسان )، تأليف: إدريان كوبر، نقله إلى العربية: أ.د. منذر محمود محمد، الناشر: دار الفرقد، الطبعة الأولى: 2019م.