قصة_قصيرة

رسالة إلى صديقي هينري:

سأنتظرك في المستودع كما اتفقنا. ما زلت متردداً في فعل ذلك، ولكن يبدو أننا لا نملك طريقة أخرى.

لقد توليت حجة غيابي عن العمل هذا الصباح، فقد أخبرت ويليام أنني لن أشي به لاختلاسه ألفين دولار من خزنة البنك، في مقابل أن يغطي مكاني ويشهد معي. إنه ساذج حقاً.

لقد كنتَ محقاً بشأنه، فلم يستغرق مني إقناعه سوى دقيقتين.

على عكس أختك ساندي الذي استغرق مني إقناعها نحو ساعة ونصف، فلم تقتنع بأن هذه رحلة عمل مهمة، وأنني بسببها لن أعود الليلة لحضور عيد ميلاد ابننا نَيثن. لقد امتلكَتْ موهبة فريدة في النقاش والإقناع، مثلك تماماً، تمنيت أنني اكتسبت ولو القليل من موهبتها طوال فترة زواجنا.

ولكي أصدُقك القول، فقد كانت محقة، شعرت بأني أب سيء لتفضيلي "العمل" على سعادة ابني، ولكني تخليت عن الكثير في مقابل هذه الليلة.

لقد تعدى الأمر كوني أباً سيئاً، فقد أصبحت مجرماً.

صحيح أننا لم نفعلها بعد، ولكن تخطيطنا وعزمنا على ذلك يكفي ليجلعنا مجرمَين.

لم أتصور طوال حياتي أنني سأضطر في يوم من الأيام إلى قتل شرطي، ولكن الحياة تفاجئك دائماً حتى في أقرب الأشخاص إليك... أنت!.

ذلك الشرطي ريتشارد هو من اختار هذا، لم يكن عليه ابتزازي بهذه الطريقة.

لقد اتصل عليّ صباح اليوم، كم أكره نبرة الثقة التي يكتسيها صوته.

قال لي بكل بجاحة أن عليّ إكمال باقي المبلغ وإلا سيفضحني، يا له من طمّاع وقح، عشرة آلاف لم تكن كافية لإخراسه، وما زال يريد عشرة آلاف أخرى!.

ولكن هذه الليلة هي ليلة الخلاص، سأرتاح أخيراً من اللباقة والمجاملة، وسأتخلص من طوق الذل والمهانة.

سأجلب الحبال كما اتفقنا، وسأثق بك في استدراج ريتشارد للمستودع.

لقد كنت خير عون لي يا هينري، لم أكن لأفعل ذلك بدونك، لقد كان استعمال المستودع المهجور الخاص بوالدي فكرة ذكية، لم يشتره مني أحد لأنه بعيد عن المدينة، ولأن شخصاً حقيرأ نشر عنه إشاعة بأنه مسكون بأرواح شريرة، لطالما تمنيت قتل ذلك اللعين، ولكنني بعد أن فكرت في الأمر، أظن أن علي شكره لأنني أصبحت مطمئناً ألا أحد سيقرب ذلك المكان، وبإمكاننا الشروع في الخطة دون قلق.

شكراً لك يا هينري على مساعدتي، سأدعوك إلى العشاء إذا عادت الأمور إلى مجاريها، وسأتكفل بتكاليف السفر إلى فرنسا كما كنت تتمنى دائماً... ولكن علينا إنهاء ما بدأناه أولاً.

صديقك دانيال.

الرسالة الثانية:

رسالة إلى أكثر شخص أحبه:

لقد كانت خطة ناجحة. لم أعتقد أنها ستسير بهذه السلاسة.

يا لدانيال الأحمق لقد صدق كل ما قلته.

لقد بدأ الأمر حينما أمّن على حياته قبل سنتين بعشرة ملايين دولاراً.

وأختي الثرثارة ساندي أخبرتني بذلك. لم أصدق ما قالته في البداية، فلم يمض على زواجهما سوى بضعة أشهر، ولكنها أرتني المستندات التي وقع عليها، يبدو أنه كان يحبها كثيراً ليؤمّن على حياته من أجلها.

لقد كانت فرصة لا يمكن تعويضها، وبدأت أفكر بطريقة تمكنني من الحصول على ذلك المبلغ.

كان قتله هي الطريقة المثلى لذلك طبعاً، ولكن كيف؟.

بقيت عدة أشهر أفكر، وعندها خطرت لي فكرة، ولكن كان علي انتظار سنتين لتنفيذها.

بدأت بالتودد إليه فوراً، وكسبت ثقته على مدى تلك السنتين، لقد كان جحيماً بحق. لا يمكنني وصف تلك اللحظات التي قاتلت نفسي فيها لأظهر له ابتسامة مرضية، ليشعر أن قصته السخيفة كانت مضحكة.

لقد كنت أعذب نفسي بالمجاملة وتصنع الضحك خاصة في حفلات الشواء السخيفة في منزله، لدرجة جعلتني أفكر جدياً في التخلي عن تلك الملايين العشرة، ولكني فخور بأنني تمكنت من الصبر على ذلك طوال تلك الأيام.

وفي أحد حفلات الشواء البغيضة تلك، أفرط ذلك الأحمق هو وساندي في الشراب، تمكنت من جعل ساندي تكتب توكيلاً لي لاستلام مبلغ التأمين إن حدث شيء ما لزوجها، ثم غطت بعدها في نوم عميق وبدأ هو بالثرثرة.

أخبرني بالكثير من السخافات التي اضطررت إلى الاستماع إليها لفترة حتى قال كلاماً خطيراً، كلاماً لم يكن ليخبرني به لو أنه كان في كامل وعيه.

لقد عرض عليّ أن أعمل معه كموزع للكيبتاجون.

لم أستوعب ما قاله في البداية، ولكنه كرر العرض علي وقال أنها تدرّ عليه مبالغ طائلة.

تماشيت مع رغبته وحاولت استخراج أكبر قدر من المعلومات منه، ولكنه كان حريصاً على عدم الإفشاء بالكثير بالرغم من حالته.

ولكنه اخبرني بالمكان الذي اعتاد على بيع بضاعته فيه، وتلك كانت فرصتي.

انتظر لعدة أيام لأتأكد أنه نسي ما قاله في تلك الليلة، ثم ذهبت لذلك المكان الذي أخبرني به وتمكنت من تصويره وهو يبيع الكيبتاجون لحفنة مراهقين.

أعطيت مقطع الفيديو لصديق طفولتي ريتشارد، والذي هو بدوره تظاهر بأنه شرطي فاسد يريد بعض المال في مقابل إتلاف الفيديو.

يا لذلك الأحمق، كيف له أن يصبح موزعاً للممنوعات وهو بذلك الغباء، فلم يفكر حتى في التأكد من كون ريتشارد شرطياً حقيقياً أم لا!.

طلبت من ريتشارد أن يستغل ذلك بقدر المستطاع، وتمكن بالفعل من ابتزازه حتى دفع له عشرة آلاف دولار، واستمر بابتزازه لعدة أسابيع حتى اكتملت سنتان منذ تأمينه على حياته.

تمكن ريتشارد من لعب دوره بشكل ممتاز، فقد بدأ دانيال بالتفكير في قتله، أو لأكون دقيقاً، كنت أنا من زرع في ذهنه فكرة القتل بعدما ذكّرته بمستودع والده.

ذلك المستودع الذي نشرت عنه إشاعات عن موت والده داخله وأن شبح والده يسكنه دائماً، إشاعة سخيفة، لم أعتقد أنها ستنتشر بتلك الطريقة ولكن لايهم، فقد أدّت عملها.

كانت أختي هي أكبر عقبة أمامي، فهي فطنة وذكية.

ظننت أنه من سوء حظي أن اليوم الذي اتفقنا على قتل ريتشارد فيه كان يوم ميلاد ابنهما، ولكني كنت مخطئاً فقد كان ذلك من حسن حظي، فأختي طردته من المنزل، وذلك عزز ما ظنه رجال الشرطة عما حصل، وهو أن دانيال مات منتحراً.

أجل.. لقد قتلت أنا وريتشارد دانيال وجعلنا الأمر يبدو وكأنه انتحار، فقد كان المكان مستودعه والحبال هو من اشتراها من المتجر المجاور لمنزله، وبالإضافة أنه تشاجر مع زوجته وطرد من منزله!.

وإن كنت تتساءلين عن التأمين فبسببه انتظرت سنتين كاملتين، لأن التأمين لا يشمل الانتحار حتى يمضي سنتان من تاريخ العقد. ولكن تلك السنتين كانتا مفيدتين لي من نواح عدة، فقد تمكنت من التقرب منه، ومن ابتزازه لفترة أطول، وأعطياني وقتاً كافياً للتخطيط لقتله.

سرقت المستندات من أختي في نفس حفلة الشواء تلك التي ثملت فيها، صورتُ المستندات وتلاعبت في التاريخ ثم طبعتها مرة أخرى لأقنعها بأن التأمين لن يشملها هي وابنها.

شعرت بالحزن للحظات فقط من أجلهما. توجهت بعدها في نفس اليوم لمكتب التأمين واستلمت المال باستعمال وكالة اختي لي.

تقاسمت المبلغ مع ريتشارد بعد تلك الليلة بفترة، ثم مضى كل منا في سبيله.

أخبرك بذلك يا أمي لأنني لم أعد أتمكن من تحمل عبء قتل ذلك الأحمق دانيال، فرغم تحملي له لفترة طويلة إلا أنه كان شخصاً طيباً، كان طماعاً وأحمقاً، ولكنه كان يعاملني وكأنني أقرب إخوته إلى قلبه.

لقد كان شخصاً ذا قلب طيب، ترك رحيله فراغاً غريباً في حياتي، ومشاعر حزن وأسى لم أتوقع أن قلبي المتحجر سيشعر بها أبداً. ظننت أنني سأنسى تلك المشاعر بمجرد قتله، ولكنه تمكن مني قبل أن أتمكن منه.

اللعنة على ذلك الحقير، فقد زرع في نفسي بذرة الندم، والتي نمت حتى أصبحت شجرة شامخة من تأنيب الضمير، فها أنا الآن أكتب رسالة اعترافي هذه قبل أن أنهي حياتي في نفس المكان الذي قتلته فيه.

أحبك يا أمي، أتمنى أن تسامحينني، فلم أكن ابناً صالحاً أبداً.

هينري

النهاية

تأليف: عبدالله الكناني.

Twitter&Instgram: Abduknani