أحيانا أتسائل عن قيمة هذه الحياة ، بوجود هذا الكم من الأشياء الفارغة ! ما الفارق بيني و بين شخص يحتضر الأن ، أو شخص ميت !  لا بد أنه مر بهذه المراحل ! حصل على الشهادة و العمل و العائلة و المال .. حصل على كل شيء ..و في النهاية رحل بدون أي شيء ..

بالنسبة لي ، لا أظن بأن شيئا في العالم قد يعادل وجودي إلى جانب الشخص الذي أنتمي له .. لا شيء سيجعلني مكتفية مثل هذا !، مجرد التفكير في وجود شخص ما في هذا العالم ينتمي إلى قلبك يمنحك شعورا إستثنائيا !  يمكنني أن ألقي جميع أسلحتي في لحظات الضعف ، أتخلى عن بعض أحلامي ، أمضي في الحياة مع شخص عادي فقط لكي لا أبقى وحيدة ..

يمكنني أن أسقط في كل إختبارات الحياة .. لكنني سأعطي أي شيء ! و أتخلى عن كل شيء .. في سبيل إيجاد شخص واحد .. لا يعني لي هذا العالم شيئا بدونه ..

هذه البشرية ، التي تنتهي حياة الإنسان فيها بلمح البصر  .. بزلة قدم على دواسة وقود .. ببكتيريا تسكن جسده و تغير معالمه ..

بطرق بسيطة جدا ، تجعله بكل سهولة في خبر كان ..

هذه البشرية ! التي نعتبرها الأعظم و الأقدس ! هي مجرد كائنات صغيرة تدبي فوق هذه الأرض و تعيش بمحظ الصدفة ! ففي حقيقة الأمر نحن أسراب من النمل نتسابق نحو اللانهاية و أقدام الموت تسحقنا بعشوائية ! إن حصولنا على يوم جديد ! ليس شيئا عظيما بل محض صدفة ، و بعض حظ .. لن يدوما إلى الأبد ..

و لكن الأسوأ من كل شيء .. هو هذا الأمر الذي يلي الموت ، إنه الجزء المخيف .. كيف أن حياة بشري بأكملها ! تنتهي بدون سابق إنذار و تنقلب من الوجود إلى العدم ! هل فكر أحدكم يوما في إحتمال موته غدا ؟  في أنه سيستيقظ من نومه و يتجه نحو عمله أو جامعته و بدون أي مقدمات تصدمه سيارات مسرعة يقودها مراهق طائش .. ثم تنطفأ الأنوار .. إلى الأبد !

من سيحل محلك ؟ من سيعود لينام في فراشك !  و ما الشعور الذي تمنحه لك فكرة أنك لن تعود أبدا لمنزلك !  لن ترى وجه أمك أو تحضن أخاك ! لن تدرس أو تعمل أو تسافر ! وفي حلقات الأصدقاء !  ستصبح ذكرى ! سيتزوج الشخص الذي تحبه أو يسافر بعيدا ! سيحصل صديقك المفضل على كثير من الأصدقاء الجدد .. سترمى أشيائك الثمينة في مكب ما ! و كل ما يدور الآن في ذهنك .. لن يكون له أي معنى !  لن يكون لك أي معنى !

أتدرك الأن عبثية الأمر ! أنت تجازف كل يوم ! أنك تسير معصوب العينين مئات المرات فوق سكة قطار ! و إن لم يدهسك القطار اليوم فكن متأكدا أنه سيفعل غدا ! أو يوما ما !

أنت الإله أليس كذلك ؟ و ماذا نكون نحن ؟ عبيدا ! هل نحن بيادق تحركها في كل الإتجاهات ؟ أنا أعرف بأنك هنا ! تماما كما أعرف أنني موجودة و أن حياتي هذه لن تذهب في مهب الريح !  و كما أعرف أن الموت لن يكون يوما نهاية كل شيء ..

أعرف أنك هنا و في كل مكان و ستبقى دائما ! لكنك تدين لي بتفسير .. تدين لنا جميعا به !

نحن ، البشرية الضعيفة ، التي أوجدتها على هذا العالم الكبير .. نرغب في أن نعرف الجدوى من وجودنا ! نصبو ليوم تخلد فيه مشاعرنا ! و لحظاتنا التي لا تنسى ..

نحن نحب .. نقع في الحب ، نغرق فيه ! تخيل أنك خلقت هذا العالم بأكمله ! بعظمته و جماله .. لكننا نتخلى عنه لأجل شخص ! و هذا القلب الذي لا يتجاوز حجمه قبضة اليد .. يجعلنا مرتبطين به للأبد .. يقيد كل شيء فينا به ! ثم تقرر بكل بساطة أننا لم نعد نستحق العيش معه فتسحقنا ! كحشرات !

نحن نفرح  ! ندخل الفرح و نعيشه بكل حواسنا .. و نروم السعادة ، نكتمل ! نصبح عائلة نرتبط ! تتشابك جذورنا و تلتحم ! تماما كأشجار التين و الزيتون ! و لكنك تصر على إقتلاعنا .. تقطع جذورنا بكل بساطة .. و ترمينا بعيدا حتى تجف أغصاننا ثم نصير حطبا فرمادا !

تحتوينا منازلنا منذ أتينا لهذه الدنيا ! و قلوب الأمهات .. يحكم الأباء قبضتهم و هم يمسكون أيدينا و يتعلق أطفالنا بتلابيبنا .. يشد الأصدقاء إزرهم بنا ، و يحظننا هؤلاء الذين يسكنون قلوبنا كنا لو أننا أخر أمل لهم في العالم .. و في خضم كل هذا  .. تنتزعنا من بينهم .. و تضعنا تحت التراب ،  حيث البرد و الظلام و تحكم علينا بالنوم هناك وحيدين .. إلى الأبد