كم هو صعب أن ترى الجمال في عالمٍ لم يعد يرى، أن تلمح ومضة الحياة في زوايا مثقلة بالذبول، أن تجد المعنى في أشياء فقدت معناها.
يرونك غريبًا حين تبتسم أمام بحيرةٍ باهتةٍ أو شجرةٍ ذابلة، كأنك تمارس طقوسًا خارجةً عن المنطق، لا يدركون أنك ترى ما لا يُرى، وتسمع ما لا يُقال.
أنت لا تنظر إلى الألوان، بل إلى ما خلفها — إلى الضوء الذي قاوم ليبقى، إلى الغروب وهو ينسكب كدمعةٍ هادئة على صفحة الماء، إلى الريح وهي تهمس للأغصان عن مواسم مضت، وعن أخرى لم تأتِ بعد.
أما هم، فيمرّون على الحياة بعينٍ مطفأة، كأنهم يسيرون في مسرحٍ انطفأت أضواؤه وبقي الممثلون يتحركون بآليةٍ باردة.
لا يتأملون سوى مرور الوقت، لا ينتظرون سوى النهاية، ينامون كل ليلةٍ دون يقينٍ من الصباح، وحين ينهضون، تصفعهم الحقيقة ذاتها:
كم صار هذا العالم قبيحًا، كم ضاقت الأرواح، وكم تلوثت الأيام.
لكن القبح — في جوهره — لم يكن يومًا في العالم، بل في نظرةٍ فقدت صفاءها، وفي قلبٍ لم يعد يعرف الدهشة.
فالجمال لا يحتاج إلى كمالٍ ليُرى، بل إلى عينٍ مبصرةٍ بالروح، تعرف أن الذبول لونٌ آخر من ألوان الحياة، وأن الغروب وعدٌ بالشروق، وأن الماء وإن تعكر، ما زال يحتضن انعكاس السماء.
من يتأمل حقًا، لا يرى الأشياء كما هي، بل كما ينبغي أن تكون.
يرى في الشقوق حياةً تنبت، وفي الغبار أثر من ضوء، وفي الفوضى اتساقًا خفيًّا لا يفهمه إلا من عاشر الصمت طويلاً.
ذلك هو سرّ الجمال — أنه لا يطلب عيون الجميع، بل يكفيه قلبٌ واحدٌ يرى.
التعليقات