منذ أن بدأ الإنسان يتأمل ذاته وهو يحمل سؤالًا لم يخفت صداه عبر القرون:
هل أنا الذي أختار طريقي، أم أن الطريق كُتب لي منذ البداية؟
هو سؤال يطلّ علينا كلما وقفنا أمام مفترق طرق، أو شعرنا أن الظروف أقوى منا، أو حتى حين ننجح فنظن أن الفضل لنا وحدنا.
إنها ثنائية قديمة كقدم الفكر: الحرية والحتمية، الجبر والاختيار… جدلٌ دار فيه الفلاسفة، وأعمل فيه المتكلمون المسلمون عقولهم، وبقي حيًّا في وجدان كل إنسان يحاول أن يفهم معنى وجوده.
- الفلاسفة الغربيون اختلفوا:
باروخ سبينوزا رأى أن كل أفعالنا نتيجة حتمية لأسباب سابقة؛ فنحن نتصور أننا نختار، لكننا في الحقيقة نسير وفق قوانين الطبيعة والظروف.
بينما جان بول سارتر ذهب إلى أن الإنسان "محكوم عليه بالحرية"، أي أنه لا يستطيع الهرب من المسؤولية عن اختياراته، حتى وسط أقسى الظروف.
- أما الإسلام فقد قدم رؤية متوازنة:
القرآن الكريم يؤكد أن الإنسان مخير، كما في قوله تعالى:
"فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" وكما جاء في الحديث الشريف:
«اعملوا فكل ميسر لما خلق له»، ويبين أن الإنسان مسير، أي أن كل شيء في حياته مقدر عند الله بعلمه وقدره
وقد بيّن العلماء أن أفعال الإنسان اختيارية، لكنه لا يخرج بها عن مشيئة الله. أي أن الله قدّر أن يكون للإنسان إرادة وقدرة، ويحاسبه بناءً عليها. فنحن لسنا كالحجر الذي يتدحرج بلا وعي، ولسنا أحرارًا حرية مطلقة، بل نتحرك في مساحة وهبنا الله إياها ضمن قضائه وقدره.
- ويبقى السؤال الفلسفي مفتوحًا:
هل تكفي هذه "المساحة المحدودة من الاختيار" لنقول إننا أحرار حقًا؟ أم أن تأثير البيئة والظروف أقوى مما نظن، فيجعلنا نبالغ في تقدير حريتنا؟
التعليقات