وكنا أنقياء حين ذاك، قلوبنا ندية طاهرة؛ لا تعرف الغل والحقد والحسد، تُقبل على الله وكل ما يذكر اسم الله، هكذا فُطرنا كل من ذَكرنا بالله لان له القلب وأحبه، لكنهم حين ذاك كانوا يحدثوننا أن لا أحد يعرفُ الله سواهم، ثم يُطعنون ويسبون ويشتمون كل من خالفهم.
وكانت قلوبنا مازالت نقيه، ترى الشئ ونقيضه معاً؛ كيف تحدثوننا عن الجميل ثم يكون هذا القبح فى القول!
صرنا متخبطين، الله فى قلوبنا، نبغى أن نقترب منه أن نتعرف عليه، كيف لكم تخبروننا أن لا أحد يعرف عن الله سواكم و داخلنا لا يسلم لكم بالكلية، كيف تطعنون فى الأخر، وللأخر منطق يرتضيه القلب، أليس هذا القلب هو الحاكم الذى إذا سلم سلم له كل حكم، مازلنا على الفطرة بعد لم تشوه، فأنَّى لعقولنا أن تدرك هذا التناقض، وأنَّى لها أن تجمع بين جمال وقبح فى آن واحد، لم يتصدر المشهد حين ذاك إلا هم، وكأن الطرق خلت إلا منهم، والقلب رافض كيف لى أن أطعن فى أحد وأبره فى آن واحد.
صرنا فى تلك المتاهبة برة من الزمن متخبطين، وكأنه الظلام الدامس، يا لضياع العمر ِحين لا يلتمس فى علمه نورٌ يضئ له الظلامات؛ نور يستأنس به يدله أين الطريق.
يا لفوات الوقت حين يكبر فيجد أن علمه الذى تعلمه لم يكن سوى قشور لا تغنى من جوع بل لا تنقذه من غرق محقق فى الدنيا والأخرة، ويا لرحمة الله حين نتعلق بها ونتشبث بها أن يارب أنت وحدك أعلم بنا فأغثنا من هذا الظلام.
يانور السموات والأرض يارب العالمين أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
إننا حين نفكر نرى أن العجز طبيعتنا ولولا الله ما اهتدينا ولولا الله ما فعلنا الطاعات، فمن رحمة الله بنا أن علمنا كيف ندعوه.
إننا حين نتأمل اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، ندرك أننا عاجزون على رؤية الحق فى زمن تلبس الباطل ثوب الحق، وشاع وانتشر بين الناس أنه الحق، فإذا ما أراك الله تراك عاجزا حينها على الاتباع لكثرة ما وجدت من أتباع الباطل حينئذٍ تسأله سبحانه أن يرزقكك الاتباع، فاتباع الحق رزق فالحمد لله رب العالمين .
وفى هذه الفترة كان القلب يَطعنُ بما يخالفُ طبيعتُه ،بما لا يُسلم له، ولا يجد مفراً من تهويلهم وتخويفهم أنَّهم الفرقة الناجية ومن دونهم فى النار، يا أرحم الراحمين يارب العالمين؛ وكان العقل حين ذاك يحدثهم بمنطق أن إذا كان هذا كلامكم وفكركم أتنزل الوحى عليكم دون غيركم، لما تسلمون لأقوالكم وتخالفون وتطعنون فى غيركم، ثم كان فى رحاب الأزهر علماء ورثوا النبوة وكان خُلقهم القرأن لا نزكيهم على الله وصدق فيهم قول المصطفى(لهلاك قرية أهون على الله من موت عالم) فالقرية لا تنكر منكر ولا تقر معروف، لكن العالم وحده ببصيرته التى أنارها الله له بالعلم يفرق بين الحق والباطل و لا يخشى فى الله لومة لائم، وهكذا فى كل فن لله فيه علماء هم نعم الله علينا، بدئنا بصحبتهم وكانت تلك الأسئلة التى لم أجد لها إجابة فى صحبتهم بين يوم وليلة بل امتدت لسنوات وأنا لا أعى شئ سوى أن قلبى مطمئن هنا، وصدق المصطفى صلى الله عليه (ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهى القلب ) ، وقول الله تعالى (إلا من أتى الله بقلب سليم) وقول المصطفى(استفتى قلبك ولو أفتوك) وكأن فى القلب ميزان خاص بكل إنسان به يدرك ما يصلحه ولعله لو أطلعه على غيره لأنكره ليس لأنه منكر فى ذاته ولكن لأن ميزان قلبه مختلف عن ميزان قلب غيره، وتلك متاهة أخرى عشنا فيها بعض من العمر، وفى كل متاهة ندرك عجزنا وأننا مفتقرين إلى الله فى كل نفس،فنسأله سبحانه أن يرزقنا الرضا ويسلم قلوبنا من أمرضها وأن يوفقنا إلى فعل الخيرات وترك المنكرات وأن يرزقنا الصبر الجميل والحلم الأجمل، فوالله لولا الله ما اهتدينا ،فالحمد لله على نعمة وجود الله ،الحمد لله رب العالمين
التعليقات