لعل الكثيرين يستغرب عنوان المساهمة، لكن هذه هي الحقيقة، كذبتنا الكبرى بدأت قبل أكثر من أربعة آلاف عام من الآن، بحلم رجل مجنون أراد لنفسه وللعالمين العذاب الأبدي، لا بد أنّ الكثيرين قرأوا عن جلجامش الرجل العظيم، وعشبة الخلود، من هناك بدأت المسرحية نحو الأبدية، فقد علمنا جلجامش من أوثنابتشم أن الغاية الأساسية من الحياة هي البحث عن السعادة في خلود ما، خلود أبدي في الجمال والشباب والصحة، القوة، الحب، الصداقة، السلطة، والرغد.....
ومع أنه فشل في الوصول إلى الخلود، كما فشل في تحقيق السعادة، مع ذلك بقي كل البشر يحذون حذوه، ليصبح السعي وراء السعادة هو الأساس الأول للحياة، والهوس المرضي بالعيش السعيد والموت السعيد والحياة الأبدية السعيدة، جعلنا نخطئ نفس خطأ جلجامش، وهو العيش في شقاء الزمن الآني والمتغير، والهروب من الفرح اللحظي طلبا في فرح أبدي في حياة أخرى! أليس هذا مفجعا حقا.
دعني أفجع الكثيرين، وأقول أن السعادة ماهي إلا كذبة أخرى، وهم جميل آخر، لم يعرفه أحد من البشر على الحقيقة، ولن يفعلوا أبدا، فبالعودة الى الدراسات الأركيولوجية وجنيالوجيا المفاهيم، نجد بأن السعادة محض مفهوم ديني، اوجدته الأديان تفعيلا لمبدأ الطمأنية التي يحتاجها كل إنسان في ذاته العميقة، وهي مفهوم مؤجل لأفق آخر، أفق الحياة الأخرى، لكن لا وجود للسعادة في الواقع المجسد.
تعود بعض الفلسفات المتأخرة الى مفهوم السعادة بطريقة نقدية، وتعتبر أنها لا تستقيم بمعناها الشعبي، وهو الفرح الدائم التام دون ألم أو سوء، وأن علينا أن نفرق بين السعادة والفرح والمتعة، على أن الفرح والمتعة ممكنتين على غرار السعادة التي هي مجرد ميتافيزيقا.
في تمييز طريف بين السعادة والفرح، يقول سادغورو أن الفرح أجمل وأحق وأكثر واقعية، ولا معنى لمصطلح السعادة، لأن السعادة يفترض أن تكون شعورا متصلا بالفرح والرضى إلى مالا نهاية، واي انقطاع في هذا الشعور يحيلها إلى معنى آخر، فهل هناك شعور متصل تام بالرضى والفرح طول الوقت والى الابد في حياتنا؟ لكن الفرح ممكن وسهل الحدوث، وهو شعور بالرضى والطيب في فترة محدودة لمسبب ما، وهو شعور حقيقي وإنساني بحق، بعكس السعادة التي هي إمكانية إلهية لا إنسانية.
ثم إن الفرح هو وحدة الموعود بتحقيق أمل السعادة المرجو والمنتظر، فعبقرية الفرح في أنه شعور متقطع، يأتي ويذهب، ولو كان دائما وثابتا بدون اي ألم لأصبح غير مثير للاهتمام ولأصبح عادة لا تحرك اي شعور بالايجابية.
ولا أختلف كثيرا مع غورو في هذا، فقط ادركت الإنسانية الحاذقة هذا الأمر في بعض محطاتها العميقة، وجسدتها في أعمالها الخالدة، ولأعظم ما خلدت أسطورة سيزيف، التي تحمل معنى الحياة الحقيقية بما هي شقاء وصراع مع الأرض والعالم، سنظل نحن وسيزيف ندفع صخرة الحياة الثقيلة الغليظة على مضض وتعب إلى إخر يوم.
وأنت، هل تعتبر السعادة بالفعل شيء حقيقيا؟ ماهو الفرق بين السعادة والفرح؟هل السعادة بالفعل شيء يستحق البحث عنه؟
التعليقات