الحسد وعلاقته بقبول النصيحة وبذلها
في ضوء قول ابن القيم – رحمه الله –:
"وإذا انهدم ركن الحسد، سهل عليه قبول النصح وبذله." (الفوائد، ص 44)
أولًا: ما هو الحسد؟
الحسد هو: تمني زوال النعمة عن الغير، سواء تمنيتَ أن تنتقل إليك أو لا.
وهو في جوهره اعتراضٌ باطني على قسمة الله، وسوء أدب مع الحكيم العليم.
قال الله تعالى:
{ أَمۡ یَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ }
[النساء: 54]
ثانيًا: علاقة الحسد بقبول النصيحة
1. الحاسد لا يطيق رؤية الفضل في غيره
فإذا نصحه من يحسده، لم يقبل كلامه، لا لخلل في النصيحة، بل لبغضٍ في القلب تجاه الناصح.
قال النبي ﷺ:
"دَبَّ إِلَيْكُم دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُم: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ..." (رواه الترمذي)
2. الكبر المركّب من الحسد يمنعه من قبول الحق
قال تعالى عن أهل الكتاب حين حسدوا النبي ﷺ:
{ وَدَّ كَثِیرࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم }
[البقرة: 109]
الحسد منعهم من الإيمان، رغم علمهم بأنه الحق.
قال النبي ﷺ:
"الكِبْر: بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس." (رواه مسلم)
فإذا اجتمع الحسد مع الكبر، صار القلب أعشى عن رؤية الحق ولو كان واضحًا.
ثالثًا: علاقة الحسد ببذل النصيحة
1. لا يريد الخير للمحسود
كيف ينصح من لا يتمنى له النعمة أصلًا؟
قال النبي ﷺ:
"لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتّى يُحِبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه." (متفق عليه)
والحاسد عكس هذا، لا يحب الخير لغيره.
2. يخشى أن تُنسب له النصيحة فيرتفع المحسود
في قلبه خوف أن يُقال: "انتفع فلان بنصيحة فلان"، فيزداد الفضل للمحسود، وهذا ما لا يحتمله قلب الحاسد.
فإذا انهدم ركن الحسد، سهل عليه:
- أن يقبل النصيحة، ولو من خصمه أو من فوقه منزلة.
- أن يبذل النصيحة لكل أحد، حتى من يراه أفضل منه أو أنجح.
ختامًا:
الحسد داء خطير، يمنع من قبول الحق، ويغلق أبواب الخير على صاحبه وعلى الناس.
فإذا طهّر المؤمن قلبه من الحسد، سلمت علاقاته، وصحّ دينه، وزكت نفسه.
ولذا قال النبي ﷺ عن رجلٍ "من أهل الجنة" بأنه لا يبيت وفي قلبه غشٌّ ولا حسد لأحد.
نسأل الله أن يطهّر قلوبنا، ويجعلنا ممن يقبل الحق من أيٍّ كان، ويبذله لكل من يحتاجه، دون نظرٍ أو غرض.
التعليقات