والأصل في الشريعة والدين أن النبي ـ وكل الأنبياء ـ ليس لهم أي خصوصية تجعلهم فوق شريعة الله تعالى في أي امر منها , ولكن العكس هو الصحيح فإن تكليف الله تعالى للأنبياء عليهم السلام بهذا المنهج القويم كما ورد في كتاب الله تعالى تكليف شديد وحاسم وبّات وليس فيه أي مسامحة أو تهاون , فكما قلنا سابقا خلال هذه الرحاب الطيبة أن قوة التكليف وشدته تتبع درجة التشريف ومستوى التفضيل , فكلما كان التفضيل والتشريف كلما كان التكليف والعزيمة. 

"فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ112" هود

"فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ..."15 الشورى 

قال تعالى :"ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ18" الجاثية

فكما نرى في هذه الآيات الكريمة أن النبي مكلف مثلنا تماما بكل ما ورد في القرآن الكريم من شريعة وأحكام وليس له أي خصوصية تسقط عنه بعض هذه التكاليف, وليس له من الأمر شيئا .

وكذلك الذين شرفهم الله تعالى بعلم الكتاب وسائر العلوم المنبثقة منه حسابهم ليس كحساب العامة والدهماء من الناس , كما أن حساب الأغنياء الموسرين وذوى الجاه والسلطان ليس كغيرهم من الفقراء والمعدومين من الناس .

فكل له حساب على حسب ما آتاه الله تعالى من النعمة والفضل , كما ورد في السنة النبوية أن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام .

والنبوة والكتاب والرسالة من اعظم الفضل واسمى معاني التشريف , لذلك ترى اشد وعيد في القرآن الكريم هو للنبي إذا خالف امر من أوامر الله تعالى الشرعية ولو كان أمراً يسيرا , وهذا بعض آيات تدل على ذلك: 

وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ37 الرعد

"وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْءًا قَلِيلًا74 إِذًا لَّأَذَقْنَٰكَ ضِعْفَ الْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا75 الاسراء  ,  "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ46 فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَٰجِزِينَ"47 الحاقة ...

كما أن الله تعالى امرنا بالتأسي به واتباعه وطاعته , ولم يستثني منه شيئاً , كما قال تعالى :" وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "158 الأعراف ....   "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْءَاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" الأحزاب 

ولو كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أي خصوصية لذكرها الله تعالى لنا واستثناها من الأمر بالتأسي به كما فعل مع خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إذ قال تعالى : "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَٰهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَٰوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"4 الممتحنة

فكما نرى في الآية الكريمة أن الله تعالى بعد أن امرنا بالتأسي بإبراهيم عليه السلام والذين معه ... استثنى من هذا التأسي المأمور به قول إبراهيم الوراد في الآية الكريمة .

لذلك نحن نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم ليست له أي خصوصية من ناحية التكليف والشريعة بالزيادة أو النقص , فكل ما امرنا الله تعالى به ونهانا عنه هو مأمور به أيضاً ومنهيا عنه , وكل ما ثبت من سنة النبي الصحيحة "بمعيار القرآن الكريم وميزانه وليس الأسانيد فقط " فهو محل التأسي والاقتداء به صلى الله عليه وسلم.

وقد بينا من قبل في رحاب سورة البقرة أن ما زعموه وادعوه من صيام النبي على هيئة الوصال أياما وليالي معدودات بلا إفطار ولا سحور انه غير صحيح بالمرة وباطل شرعا ونقلاً