التأسي بالرسول هو الأصل ... ولا خصوصية له إلا بدليل
والله تعالى قد امرنا بالتأسي والاقتداء بالنبي الكريم عليه السلام كما هو معروف لكل مسلم ... فلا يخرج شيء من هدي النبي عليه السلام من حيز الاقتداء والتأسي به حتى يأتي الدليل الواضح والبرهان الصادق على الخصوصية والتفرد ... والا يبقى الأمر على اصله وشموله لكل هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ... فليس في الآية الكريمة أي دليل على تقييد التعدد بأربع زوجات فقط ... وليس فيها استثناء للرسول عليه السلام من هذا التقييد .... ولا يوجد في السنة النبوية دليل صريح ناهض على خصوصية النبي في التعدد المطلق من غير تحديد ...
إننا نجد أن القرآن الكريم لما خص النبي عليه السلام ... بخصوصية الهبة من امرأة مؤمنة ... فهي تهب نفسها للنبي بدون مهر ولا عقد ولا ولي ... قد ذكر ذلك وخص بها النبي عليه السلام ... فقال تعالى
{ يَٰأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ الَّٰتِي ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ الَّٰتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَٰجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (50) [الأحزاب
فهنا نرى الخصوصية واضحة في الآيات الكريمة ... كذلك نرى أن الله تعالى لما امرنا بالتأسي بإمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام .. لم ينسى القرآن الكريم أن يستثنى من هذا الأمر العام بالتأسي قوله لأبيه لاستغفرن لك : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَٰهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَٰوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة: 4].
فلو كان هذا التعدد النبوي للزوجات خاص بالنبي ... ومن خصوصياته ,, فلماذا لم يذكره القرآن الكريم لنا كما فعل في مسألة هبة المرأة المؤمنة نفسها للنبي خالصة له من دون المؤمنين؟!
لماذا لا نجد في القرآن الكريم نصا واضحا يخصه في مسألة تعدد الزوجات ,.,. بل ولا حتى إشارة؟!
كذلك ... لماذا لا نجد في السنة النبوية بيانا واضحا انه لا يجوز لرجال امتى الجمع بين اكثر من أربعة زوجات؟
فعلى الذين يصرون على تحديد التعدد بأربعة من الزوجات فقط أن يقدموا الدليل على ذلك من الكتاب والسنة ,,, وعليهم أن يقدموا بعد ذلك الدليل على الخصوصية للرسول في هذا التعدد الزائد على أربعة زوجات ...
إذاً من أين جاء الحكم بتقييد التعدد بأربعة زوجات فقط للمؤمنين ... رغم أن الآية الكريمة اطلقت التعدد من غير عدد معين ؟ كما هو بيان الآية الكريمة التي معنا ؟ وكما هو واضح في التطبيق العملي للسنة النبوية ... والعجيب أن اكثر المفسرين واشهرهم يعترفون بهذا المعنى الذي فهمناه من الآية الكريمة ... ويعترفون أن القرآن الكريم لم يرد فيه أي بيان أو إشارة إلى خصوصية النبي عليه الصلاة والسلام في هذا التعدد الزوجي الزائد على أربعة ... بل ويعترفون أن السنة النبوية ليس فيها دليل صحيح ناهض في تحديد الأربعة زوجات ... أو خصوصية النبي عليه الصلاة والسلام في هذا التعدد
الشوكاني : وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ: عَلَى تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَبَيَّنُوا ذَلِكَ: بِأَنَّهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ كُلَّ نَاكِحٍ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَا أَرَادَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ ..
ثم يقول بعد كلام كثير متداخل : فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلْجَمِيعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْقُرْآنِ.
هنا نرى الإمام الشوكاني يقول للذين يستدلون بالآية الكريمة على حصر التعدد .,, أن الآية الكريمة تدل على خلاف ذلك ... ويقرر في آخر كلامة أن تحريم الزيادة على الأربع زوجات ليس في القرآن الكريم ما يؤيده ,,, ولكن روايات السنة هي التي تحرم ذلك ,,,
القرطبي : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً، فَتَحَكُّمٌ بِمَا لَا يُوَافِقُهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ عَلَيْهِ، وَجَهَالَةٌ مِنْهُمْ.
وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْآخَرِينَ «1»، بِأَنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، حَصْرٌ لِلْعَدَدِ. وَمَثْنَى وَثُلَاثُ وَرُبَاعُ بِخِلَافِهَا. فَفِي الْعَدَدِ الْمَعْدُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ زِيَادَةُ مَعْنَى لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ: جَاءَتِ الْخَيْلُ مَثْنَى، إِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَيْ جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً
لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ جَاءَنِي قَوْمٌ ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ، أَوْ قَوْمٌ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، فَقَدْ حَصَرْتَ عِدَّةَ الْقَوْمِ بِقَوْلِكَ ثَلَاثَةً وَعَشَرَةً. فَإِذَا قُلْتَ جَاءُونِي رُبَاعَ وَثُنَاءَ فَلَمْ تَحْصُرْ عِدَّتَهُمْ. وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّهُمْ جَاءُوكَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَوْ قَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَصْرُهُمْ كُلَّ صِيغَةٍ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بِزَعْمِهِ تَحَكُّمٌ.