لقد تم خلق آدم عليه السلام من الأرض من طين لازب وحمأ مسنون ... في هذه الأرض وليس في السماء كما هو مشهور بين الأمة ... ولم ترفع طينته للسماء ليتم خلقه في السماء ... كما تروي الإسرائيليات ... فمن خُلق ليكون خليفة في الأرض ... فمن الطبيعي أن يكون بناءه المادي في هذه الأرض التي ستكون له مهادا وفراشا وبساطا ومتعا إلى حين .... 

فكيف يكون بناء كيانه المادي المتصف بنفس صفات الأرض ... كيف يكون بناءه في السماء ؟ 

ولكن خلق الأنفس الذرية البشرية كان في السماء في عالم النفس ... بما فيها ومنها نفس آدم عليه السلام أبو البشر ... أما الكيان المادي لآدم عليه السلام فتم خلقه هنا في الأرض ومن الأرض واليها يرجع ويعود ... 

لذلك فإن التصور الصحيح لخلق آدم عليه السلام على ضوء القرآن الكريم ... انه خُلق هنا في الأرض وتم تعليمه الأسماء كلها بوحي من ربه ... ثم امر الله تعالى الملائكة الموكلين بالبشر والعالم الأرضي بالسجود لآدم كدلالة ظاهرة على قيامهم في خدمة بني آدم وتسهيل مهمتهم فترة الاختبار .. 

أما خلق الكيان المادي لحواء ... فالذي يبدوا لنا من وحي الآيات الكريمة أنها خلقت من آدم عليه السلام من بعد مشهد التكريم والسجود من الملائكة ,,, فكما ورد في السنة النبوية أنها خلقت من ضلع آدم الأيسر ... وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ...  

ثم رُفعا إلى الجنة المصورة فوق ربوة عالية من الأرض ... حيث كانت الأرض يومئذ جنان وأفنان عامرة بكل الثمرات والأشجار والأزهار والهواء العليل والأنهار والشلالات في منظر بديع لا يوصف .... 

فقد كانت هذه الجنة التي دخلها آدم عليه السلام وزوجه هي اجمل وافضل بقعة في الأرض يومئذ ... بحيث انه كان لا يحتاج فيها للسعي ليطلب رزقه وطعامه وشرابه ... فقد كان كل ذلك حوله وفى متناول يده من غير سعي وعمل حثيث ... وقد كساه الله تعالى هو وزوجه ثيابا ليست من صنع البشر ... لا تتسخ ولا تبلى ولا تتمزق ... فلما أكلا من الشجرة كان ذلك بمثابة علامة على انتهاء الدرس والموعظة البليغة التي شاءت إرادة الله تعالى أن تبدأ بها حياة البشر على هذه الأرض ... فهبطا آدم عليه السلام وزوجه إلى الأرض الفسيحة ... فاحتاج إلى السعي في طلب رزقه واستصلاح طعامه وشرابه وثيابه والعمل والكدح في سبيل كفاية أسرته وأولاده ... 

فلم يكن خروج آدم عليه السلام من هذه الجنة المصورة عقوبة على اكل الشجرة ... لأن ذلك كان أمرا مقضيا ... وإنما جعل الله تعالى بحكمته الأكل من الشجرة علامة على نهاية الدرس وبداية المعترك الحقيقي للحياة البشرية على هذه الأرض ... 

كذلك فنحن ككيان مادي يتم خلقنا من نطفة أمشاج في المصانع البشرية [ أرحام أمهاتنا ] حتى إذا تمت مرحلة التكوين الأساسي أربعة اشهر ... نفخ الملك فينا الروح [ كما ورد في السنة النبوية ] ... وهذا يجعل الجسد قابلا لحمل النفس والالتحام به ... فتهبط إليه النفس من عالمها التي كانت فيه في حالة كمون يشبه الموت فتلتبس بجسدها المعد لها خصيصا بحيث تتأثر به ويتأثر هو بها في علاقة تبادلية ... وهذا ما نراه جليا في هذه الآيات الكريمة / { يَٰأَيُّهَا الْإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَٰفِظِينَ (10) كِرَامًا كَٰتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) } [الانفطار: 6 - 12].

ففي الآيات الكريمة نعلم أن الإنسان مخلوق ومصور كنفس قبل خلق هذه الصورة وهى الجسد والكيان المادي ... الذي يعتبر بمثابة الدابة لكل إنسان منا فهو يركبها وهي تحمله ... 

وهؤلاء الملائكة الكرام الكاتبين ... هم الذين أدوا التحية لآدم عليه السلام في بداية حياته بالسجود له في إعلان واضح باستلامهم عملهم في الحفظ والتسجيل والكتابة لكل ما يظهر من الناس .  

ثم تعيد الآية الكريمة الأمر بتقوى الله تعالى الذي تقسمون باسمه العظيم وتتساءلون به حاجتكم بعضكم من بعض , واتقوا أن تقطعوا أرحامكم التي تتعارفون بها وتتآلفون عليها , واعلموا أن الله تعالى لا يغفل عنكم لحظة واحدة وحاضر معكم بعلمه.