السعادة سؤالٌ عميق يشغل بال الإنسان منذ القدم، ونتساءل: هل سرها في أيدينا نحن؟ هل نملك مفاتيحها لنفتح بها أبواب الفرح والرضا؟ أم أنها تتبع تقلبات الحياة وظروفها، وربما تعتمد على مساعدة الآخرين لنا لنبلغها؟
سيصيبنا الفرح يوماً
الحياة في جوهرها متقلبة، لا تسير دائمًا على وتيرة واحدة. أحيانًا تمنحنا لحظات من السعادة، ومرات كثيرة تضعنا في مواقف مؤلمة أو صعبة ، لكن مشكلتنا لا تكمن في تقلبات الحياة نفسها، بل في الطريقة التي نُدرك بها هذه التقلبات ونستجيب لها . فالمعاناة لا تأتي فقط من الحدث المؤلم، بل من الرفض الداخلي، والصراع العقلي مع ما لا يمكن تغييره
أتذكر جيدًا ما قاله أستاذي في مادة العلاج بالتقبل والالتزام "الألم أمر حتمي، أما المعاناة فهي اختيارية."
هذه الفكرة تُشكّل محورًا أساسيًا في العلاج النفسي القائم على القبول، حيث نُفرّق بين الألم الطبيعي الذي لا يمكن تجنبه (مثل الفقد، الفشل، المرض)، وبين المعاناة النفسية التي نصنعها عندما نحاول الهروب من هذا الألم، أو نرفضه، أو نحكم عليه باستمرار ، السعادة هنا لا تُعرّف كحالة دائمة من الفرح، بل كقدرة على التعايش مع الواقع كما هو، والقدرة على أن نجد المعنى والسكينة، حتى وسط الألم.
الإنسان قد يشعر بشيء من الرضا رغم مروره بظروف صعبة، إذا سمح لنفسه بأن يتقبل تلك التجربة دون صراع، وركّز على ما هو قادر على تغييره. وعلى العكس، قد يشعر شخص آخر بالسخط رغم أن حياته مليئة بالراحة، فقط لأنه يعيش في مقارنة مستمرة، أو يتوقع من الحياة أن تكون مثالية.
برأيي أن السعادة هي حالة ذهنية، لا ظرفية. فكم من إنسان يملك كل أسباب الراحة الخارجية، لكنه ساخط، وكم من آخر يعيش في شدة، لكنه ممتن وسعيد ، فالسعادة ليست في الأحداث ذاتها، بل في زاوية الرؤية، ومدى اتساعها، وفي قدرة الفرد على التقبل، والعيش في اتساق مع قيمه الشخصية بدلًا من مطاردة مشاعر مؤقتة
نعم، الحياة لا تخلو من الألم، لكن المعاناة غالبًا تنبع من مقاومة هذا الألم بدلًا من قبوله. فالسعادة ليست إنكارًا للصعوبات، بل وعيٌ بكيفية العيش معها دون أن تُطفئ فينا القدرة على التقدير والامتنان. التقبل لا يُلغي الألم، لكنه يُعيد تشكيل علاقتنا به، ويمنحنا حرية داخلية في خضم ما لا يمكن تغييره. ومن هنا، تصبح السعادة فعلًا داخليًا، مرتبطًا بالتوافق مع الذات لا بالكمال الخارجي.
التعليقات