السعادة سؤالٌ عميق يشغل بال الإنسان منذ القدم، ونتساءل: هل سرها في أيدينا نحن؟ هل نملك مفاتيحها لنفتح بها أبواب الفرح والرضا؟ أم أنها تتبع تقلبات الحياة وظروفها، وربما تعتمد على مساعدة الآخرين لنا لنبلغها؟
سيصيبنا الفرح يوماً
أجاب أرسطو على ذلك في كتاب "الأخلاق إلى نيقوماخوس" أن السعادة هي هبة من الله، لكن يجب على الإنسان أن يسعى إليها، عن طريق محاولة تحصيل الفضيلة، فالإنسان الفاضل في رأيه هو إنسان سعيد والعكس، فعلى الإنسان الالتزام بالفضيلة راضياً مغتبطاً، كما أن هناك عوامل خارجية تساعد على ذلك: الثراء، الصداقات، السلطة، ويستعملهم الإنسان في الخير ليسعد.
وأجاب شوبنهاور على نفس السؤال في كتاب "فن العيش الحكيم"، أن السعادة هي في طبع الإنسان وفي الطبع وحده، فمهما بلغ الإنسان من المراتب العالية، ومهما ارتحل بين الأقطار، ومهما حاز من الدنيا، لو لم يكن طبعه يساعده على السرور فلن يسعد، فقد يمتلك صاحب الطبع الراقي السعادة بمشهد بسيط، وقد تكون مسرات الدنيا كلها أمام صاحب الطبع الرديء فلا يلمح منها ما يسره.
أرسطو وشوبنهاور، يتناولان السعادة من زاويتين متكاملتين لا متناقضتين. أرسطو يربط السعادة بالفعل الأخلاقي والسعي الواعي نحو الفضيلة، مؤكدًا دور الإرادة والاختيار، بينما شوبنهاور يسلّط الضوء على البعد الداخلي للطبع والتكوين النفسي للفرد. والحقيقة أن السعادة غالبًا ما تتشكّل من توازن بين الاثنين: الاستعداد الداخلي (الطبع) والجهد الخارجي (السعي). فليست السعادة قدرًا مكتوبًا بالكامل، ولا صناعة محضة بالإرادة، بل هي ثمرة تناغم بين ما نحن عليه وما نختاره أن نكون.
أشار أرسطو أن العوامل الخارجية مثل السلطة والأصدقاء والثراء تساهم في سعادة الإنسان، لكن على العكس من ذلك أشار شوبنهاور أن كل العوامل الخارجية لن يكون لها وزن في سعادة الإنسان لو لم يكن عنده استعداد داخلي للسعادة.
فعلى ذلك يكون غياب السلطة أو الثراء في رأي شوبنهاور غير مؤثر على السعادة، ووجودهم غير محفز للسعادة، لو لم يكن طبع الإنسان ميّال للسعادة.
التعليقات