قد فطرنا كبشر وغايتنا هي تحقيق المصالح، فنذهب إلى العمل كل يوم لتحقيق المصالح الدنيوية، وقبل أن نتخذ أي قرار نتخيّر فيه أولاً مصلحتنا: إن كان هو أفضل قرار تحقيقاً لمصلحتنا، أم هناك ما هو أفضل منه، ونفاضل بين قراراتنا بهذه الطريقة، ونتخذ الأكثر تحقيقاً للمصلحة العامة والخاصة.

ونتخيّر لعلاقاتنا الأشخاص أصحاب الفضائل وأصحاب السمعة الحسنة؛ لنحقق مصلحة نفوسنا وعقولنا، ذلك لأن الإنسان يستقبل تأثير غيره عليه ويتمثله في ذاته، فالصديق الصالح ينفعنا لدنيتنا وآخرتنا، فتسعدنا رفقته وتوجيهه لنا إلى طريق الصلاح، وأيضاً وقوفه معنا أوقات الشدائد.

والأزواج لهم تأثير على مستقبل بعضهم البعض فيراعي الزوج زوجته ويسعدها ويحقق لها مستقبل مريح نفسياً ومادياً، وهكذا تسعد الزوجة زوجها وتؤيده وتسانده لتحقيق منفعته ومنفعة الأسرة.

والجار ينفع جيرانه فيراعيهم ويحفظ حقوق جيرتهم ومساكنهم وخصوصيتهم ولا يضرهم أو يفعل ما يسوءهم، في كل ذلك نختار الدار والرفيق والصديق بناءاً على "المصلحة".

لكننا نخشى لو طلب أحد ما منّا شيئاً ونقول أنه يحادثنا من أجل "مصلحة" أو يتخذ من علاقتنا معه "مصلحة"، فلو لم يكن الطالب من الأشخاص المحببين إلينا فأننا نتردد قبل أن نجيب طلبه.

ولو كان شخصاً نعرفه من قبل فلا نحب أن يحادثنا في حاجته لو لم يكن دائم السؤال علينا ويتفقد أحوالنا دائماً، وإلا نتهمه أنه يسعى لمصلحته.

وللمفارقة فإننا قد نلبي بسعادة طلب أشخاص يحادثونا بما يروقنا، ويتفقدون أحوالنا من الحين للآخر حتى لو كانوا محترفي اقتناص مصلحتهم فقط،فيظهر ذلكعندما نطلب منهم أي شيء فيسمعونا حلو الكلام وأحسن الوعود لكن دون أن يحققوا لنا شيئاً نافعاً حقاً، حتى لو كان تحقيقه سهلاً وبمقدرتهم.

فلماذا نخشى من علاقات المصالح وتبادل المنافع، ونميل لقياس العلاقات بحسابات عاطفية تخلو من العقل و"المصلحة"؟