منذ 4 أيام كان اليوم العالمي للغة العربية. انتشرت العديد من المنشورات والفيديوهات التي كانت رسالتها رفضاً لحشو الكلام العربي بكلمات إنجليزية دخيلة من هنا وهناك. وبهذا الصدد، قرأتُ كتاباتٍ للعديد من الأشخاص مُطالبين بتحديث اللغة العربية لمواكبة العصر.

في رأيي، لا مشكلة بأن نعترف أن لغة العصر والعلم هي الإنجليزية وبذلك نقبل بالكلمات غير القابلة للترجمة. لذا فإن موقفي هنا أن نقبل بكل صراحة تفوق الإنجليزية على العربية والكم الهائل من الكلمات التي أتت به. لذا، إن كان هناك فعلاً عزم على تحديث اللغة العربية، فالقادرين على تحقيق هذا التغيير هم نحن المتحدثون بها. لا يجب أن ننتظر لكتاب أو قرار من مجمع اللغة العربية. المتحدثون باللغة هم الذين بيدهم التغيير الأكبر. وهذا التحديث للعربية ينبغي أن يحصل بشيئين: ابتكار كلمات مُعاصرة وحديثة وإحياء الكلمات الفصيحة القديمة التي نحتاجها في هذا العصر.

لكن في الوقت نفسه، يجب ألا نُغفل أن العربية لغة شديدة المرونة. أي بالإمكان تشكليها في قوالب وأوزان مصرفية واستخراج العديد من الأسماء من خلال جذر واحد فقط، إضافةً على المدى الواسع من حروفها الذي قلما تجده في لغات أخرى. والأخير يُضفي احتماليات عديدة للتلاعب بالكلمات. للأسف، لم نرَ في الوقت الحاضر أيَّ استغلالٍ لهذه الخواص في استخراج كلمات جديدة. حتى يكونُ لك تصوراً حول المرونة والكلمات المتنوعة التي استعملها العرب قديماً، اطّلع على كتاب فقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي (أنصحك بشدَّة أن تُنظر نظرةً سريعةً عليه).كل هذه الخواص في اللغة العربية جعلتني أنظر إليها وكأنها لُغة لم تُقدَّر حق تقديرها.

عندما قرأت هذا الكتاب لأول مرة دُهشت أشدَّ الدهشة. العرب قديماً كانت لديهم العديد من الكلمات والأوصاف. كنتُ أرى حيوية ونشاط العربية على ألسنتهم، فكانت تُستحدث كلمات دقيقة وتفصيلية للكثير من الأشياء. هذا جعلني أتسائل، ما الذي أخمدَ هذه الروح وهذه الجرأة في الإتيان بكلمات؟

قد لا يُدركُ الكثير أنَّ اللغةَ سجنٌ فكري. نحن مُصفَّدون وملزومون بكلمات حتى نُعبَّر عما نُضمِر. ولذا كانت ضرورةً للغات العلمية أن تبتكر مصطلحاتها وكلماتها الجديدة حتى تتجاوز قيودها اللغوية وتعبر عن أفكار أكثر تعقيداً. الفصحى كانت -منذ فترة ليست ببعيدة- دائمةَ الاستمرارِ والتجديد. على الأغلب أنَّكَ قد سمعت عن الألفِ اسمٍ للأسد أو الثلاث مئة اسم للسيف والعسل وغيرها… غزارة الكلمات في العربية جاءت من الحرية والجرأة التي امتلكها الناس في ابتكار أسماء جديدة. ليس القصدُ أن نلقيَ الملامةَ على اللهجات المحلية ونطالب بعودةِ الفصحى، بل أن نشجع غيرنا على أن يأتوا بكلماتهم الخاصة بكل جرأة.

كل هذه الأسئلة التي طرحتها قادتني إلى ضرورة إيجاد منصة لابتكار كلمات عربية والنقاش فيها وممارستها. هذه المنصة أسميتها تزَمزُم، وبإمكانكم الولوج إليها من على: tazamzum .blogspot .com. وقبل أن تنهال علي التعليقات بالنقد، أرجو منك أن تستمر بالقراءة لآخر المنشور. أولاً، ابتكار كلمات جديدة أمرٌ ممتع! العديد من الأصحاب لديهم كلماتهم الخاصة بهم، وهي في نفس الوقت فرصة لتشغيل الأذهان اللغوية في التفكير في كلمات لم تُنطق من قبل. ليست هذه المنصة منصة ترجمةٍ وليسَ الغرضُ منها أن تحثَّ الناسَ على استعمال كلمات معينة أو تجبَرهم على اتخاذ تعريبات معينة لكلمات أعجمية. إنما هي محاولة لتشغيل الأذهان نحو النظر إلى الأمور اليومية بنظرة جديدة وفي الوقت نفسه إحياء لبعض الكلمات المُندثرة ذات الفائدة في حياتنا المعاصرة. فعلى سبيل المثال، من كان يعلم أن كلمة Snack لها نظير عربي فصيح؟ (اطلع على المدونة حتى تعرف ما هو ;) )

"لمَ أُرهق نفسي بابتكار كلمات جديدة دون الاستعاضة عنها بلغات أخرى؟ "، قد يكون هذا ما تتساءل به. لكني مرةً أخرى أوضِّح بأن الفكرة ليست تعالٍ على اللغات الأخرى وعمل فقاعة وقوقعة حول العربية، لكنّه فرصة لممارسة وتشغيل القالب الفكري الذي جاءت به العربية.

أرجو أن تكون بادرةً مُوفَّقةً لفتح مُجتمع نقاش جاد حول اللغة العربية. وأبقِ في ذهنك أن اللغة العربية شبيهة باللغة اللاتينية التي وُلدت منها مُختلف اللغات الأوروبية وعليها ارتكزت لغة العلم التي اشتقت منها العديد من الكلمات. ورغم اندثار اللغة اللاتينية، إلا أنه لا زال هناك ناشطون ومهتمون بها في مجتمعات على الإنترنت. فوجود لغة مُسيطرة على العالم، لا يمنع أن نسرح قليلاً ونستمتع بلغتنا.