مرت لغتنا بأطوار شتى ومن دعوات متعددات للحفاظ عليها. بدأت برجال أمثال أبو الأسود الدؤلي وغيرهم ليضعوا لها قواعد النحو والصرف والتنقيط وغيرها لتنتهي بدعوة شاعر النيل أوائل القرن الماضي، الذي راح يخشى عليها من جديد ويندب أهلها للحفاظ عليها ويشجب -فيمن شجب - تلك الفكرة الخبيثة بإحلال اللغة الإنجليزية محل العربية بدعوى أن الأولى وعاء العلم والثقافة وهي الأصلح له. ساير رجال فكر يزعمون أنهم عرب تلك الفكرة فهب شاعرنا فيمن هب ينشد: 

          رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي           وناديت قومي فاحتسبت حياتي

    رموني بعقم في الشباب وليتني           عقمت فلم أجزع  لقول  عداتي

فاللغة العربية بحر تشككت في كفاءة وجودة درره المكنونة من تشكيك المشككين ولم تجد من ينصفها من متحدثيها الأصل. فهي لا زالت شابة؛ فهي تنعى حظها من أبنائها ممن رموها بالعقم فهي لا تلد مفردات علمية تواكب العصر بزعمهم؛ فهي ليست لغة علم ولا علوم!

كذلك يشايع شاعرنا الشاعرُ خليل مطران:

تَقُولُ لأَهْلِهَا الفُصْحَـى أَعَدْلٌ    بِرَبِّكُمُ اغْـتِرَابِي بَيْنَ أَهْـلي

أَنَا الْعَرَبِيَّةُ المشْهُودُ فَضْـلِي    أَأَغْدُو الْيوْمَ وَالمَغْمُورُ فَضْلِي

وأني لأتعاطف مع أمنا العربية في عصرنا هذا؛ فهي حقا تعاني من جفوتنا لها وتأسى لغربتها بيننا وهي هي من حيث الشموخ والقدرة على الوفاء بأدق المشاعر ومتطلبات الحياة العلمية وغيرها. وهل ذنبها أننا تخلفنا فلم نبتكر ولم نخترع فلم نستجد منها أسماء لتلك المخترعات؟!

على هذا الوتر ينغًم حافظ ويقول: 

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية        وما ضقت عن آى به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةٍ    وتنسيق أسماءٍ لمخترعــات؟

 فاللغة العربية وفت بمعاني وألفاظ آخر رسالة سماوية عالمية، فكيف لا تفي بوضع أسماء لمستحدثات

 علمية وغيرها؟

ويؤيد ذلك المستشرق الألماني فريتاغ :( اللغة العربية أغنى لغات العالم) وكذلك وليم ورك: (إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر)

 وأني أتساءل وأسألكم يا أصدقاء: يا تُرى ماذا كان سينشد شاعر النيل لو بُعث من جديد في عصرنا ورأى انتشار العربيزي (الفرانكو آراب) في وسائل التواصل وغيره من دبلجة باللهجات المحلية للبلدان العربية؟ هل ترون أنه كان سينعى اللغة (وبالتالي هويتنا) بأكثر وأشجى مما نعت به نفسها على لسانه قبل قرن من الآن؟

كذلك، تحذرنا لغتنا على لسان شاعرنا أن الخطر الذي يتهددها يتهددنا نحن في صميم هويتنا: 

فلا تكلوني للزمان فإنني     أخاف عليكم أن تحين وفاتي

  فهل ترون أننا أحوج إلى الحفاظ على اللغة العربية من أي عصر مضى؟ ولماذا؟