كان يوما طويلا يتسم بالكآبة والرياح الشديدة والبرد القارص و الجو يتسم بالعدائية تجاه كل شيء. الكآبة تتسلل إلي راحتي النفسية فتحيلها ألما، وإلي فرحتي فتحيلها حزنا حتي جسدي استحال ماكينة صدئة تصدر صريرا مؤلما..ولكن رغم هذا قررت أن أقرأ رواية من الطراز المرعب لعلها تخفف عني هذا الألم ..لا أدري من الأحمق الذي يفعل ذلك، لكني كنت متأكدا أنني ذلك الأحمق..من الذي يخفف الإرهاق بالرعب؟ ..لا أدري... هل هي ماسوشية أم رغبة سادية ضد نفسي لأنسى أحداث النهار؟ ربما ..ولكنها رغبة ملحة على كل حال وكان لابد أن ألبيها.

بدأت أبحث عن رواية أقرؤها ....

هل هذه تنفع؟ ..لا..لا.. إنها مرعبة جدا ولست في مزاج لهذا الرعب الذي يتطلب تماسك جسدي وعقلي.

آه هذه تنفع ولكن قرأتها من قبل...ما رأيك في هذه الرواية إذا ..إنها متوسطة الرعب والحبكة تتحدث عن موضوع مألوف إلى النفس قليلا تتحدث عن الأشباح والعفاريت ولصوص المقابر..هممم موضوع مسلي.

بالطبع أنا من الأرياف وكل من عاش في الأرياف لابد وأن يعرف أن القصص التي نشأنا عليها هي قصص العفاريت والأشباح التي تسكن أشجار المعمرة والجنيات التي تخطف الأطفال والنداهة و(أبو رجل مسلوخة ) - ما هو (أبو رجل مسلوخة) ؟ ..لاأدري لكنه مرعب بالتأكيد- ، كانت طفولة مرعبة بحق ..الحمد لله أنني قد تجاوزتها ولربما لم أفعل بعد .

بدأت أقرأ الرواية وأتعمق فيها لعلي أنسى هذا الإرهاق وتلك الأفكار المزعجة التي تتواثب علي من حيث لا أدري كأنه لا يوجد غيري الذي له الحق في التفكير، فلتذهب تلك الأفكار إلى الجحيم ، أو فلتكن أفكار جميلة غير هذا فلا مرحبا بها أبدا .

أنهيت الرواية بعد ساعتين...وقت لا بأس به ...أشعر الآن بقوة خفية تجذبني نحو ذلك الفراش الدافئ والغطاء ناعم الملمس وبدأت تلك الأفكار تتلاشى وشعرت بروحي تلحق بتلك الأفكار لتذوب في عالم الأحلام الجميل .

طاك...تك ....ما هذا الصوت؟.

استيقظت في الثانية بعد منتصف الليل على صوت ارتطام شيء معدني في غرفة المعيشة...لا يوجد شيء معدني في غرفة المعيشة على حد علمي ..هذه شقتي على ما أعتقد...إذا ما هذا الصوت؟.

أزحت ذلك الغطاء ..وبدأت أمشي متثاقلا نحو باب الغرفة أجاهد النوم ، وشعرت كأن المسافة بين الفراش والباب تتباعد إلي ما لا نهاية ..إن كان لصا، فإنه بالتأكيد لص قليل الذوق، لو كان لصا حقيقيا يحترم نفسه فليدخل وليأخذ ما يريد دون جلبة فجسدي وعقلي لا يسمحان بالقتال على كل حال .

وبعد عدة سنوات من قطع المسافات والتعثرات والإرتطام بكل شيء في الغرفة تقريبا وصلت إلى الباب و بدأت أفتحه ببطء حتى لا يصدر ذلك الصرير المزعج الذي ينبه اللص دائما إلى استيقاظ صاحب البيت أو ينبه الوحش لمكان الضحية المسكينة ....آه لابد أن الأفلام سيطرت على عقلي، لن أشاهد المزيد من أفلام الرعب أو أفلام الجريمة.. إنها تجعلك تتخيل أشياء لا وجود لها في الواقع ..قد أستمتع بالفيلم بسبب تلك المشاهد الحماسية والحبكة الدرامية والوحوش المرعبة والتصوير الإحترافي ..لكنه شيء سيء جدا حينما أصحو من النوم بعد منتصف الليل أبحث عن لص قليل الذوق وتتواثب تلك الأفكار إلي عقلي حينها يتضاعف الخوف ويبدأ الأدرينالين يضخ في جسدي بكميات تكفي خمسة أفيال.

اهدأ يا أحمق لماذا أنت متوتر..أنت لم تر شيئا بعد. اصبر حتى تر ذلك العفريت منزوع الرأس ويحمل في يده رؤوسا تتلوى ألما حينها لك الحق في أن تملأ الدنيا صراخا ولكن الآن فلتتماسك ..لا تمت قبل أن تعرف ما يجري .

يا لك من أحمق ..لم تسمع لما قلت! .. لا يهم.. تقدم أكثر حتى تتأكد.

الحمد لله..لم يصدر الباب صوتا هذه المرة ..تقدمت ببطء في الظلام تجاه غرفة المعيشة ( يا لي من أحمق كان من الأولى أن أبحث عن سلاح أولا ..ماذا أفعل لو كان هناك لص بالفعل )..حاولت أن أضئ الأنوار.

تك ..

وفجأة رأيت ذلك الوميض للحظات تلاها انفجار مدوي ..بوم..

آآآآه.. ماذا هناك؟ ..هل بدأت الحرب؟! ..لااا..لا أريد أن أحارب..لا أريد ..هل ماتت ملكة بريطانيا؟! ..أقسم أنني لم أقتلها ..لا أريد أن أدخل السجن ..لااااااااااا.

تنبهت أن هذا الإنفجار و الوميض المزعج ناتج عن تلف المصباح في غرفة الجلوس ..إذا لماذا أحدثت كل هذه الجلبة..وما علاقة ملكة بريطانيا والحرب العالمية الثالثة بانفجار مصباح غرفة الجلوس؟! .. بل ما علاقة كل ذلك بي من الأساس؟!..لابد أنني على وشك الإصابة بالبارانويا ..أنا أرى مكاني المحجوز في مستشفى المجانين والكسرولة على رأسي وأحدث الناس عن مكائد المخلوقات الفضائية لمعرفة أسرار المش الخاص بجدتي..

اتجهت فورا إلى المطبخ وأضأت المصباح ..تك..ها قد أضاء المصباح اللعين، لم يتلف هذه المرة ..وأحضرت سكينا وأضأت باقي أنوار الشقة و بدأت أبحث عن ذلك اللص الجرئ. ولكني لم أجد شيئا ..لا وجود للص ..لا وجود لأي شيء معدني في غرفة الجلوس ..لاوجود لأي شيء مريب.. وهذا في حد ذاته مريب..

اتجهت لغرفة النوم لأرتب أفكاري.. فسمعت ذلك الصوت مرة أخري ..ما هذا؟؟! لو كان شبحا يريد قتلي فليظهر مباشرة ..وليجعلها ميتة سريعة وإلا فليتوقف عن لعب الأطفال هذا .

تكرر الصوت مرة أخري ..ومرة أخري ..حاولت تبين مصدر الصوت فوجدت أنه يأتي من خارج شرفة غرفة النوم..وأطللت بوجهي لأرى ما سبب هذا ..فوجدت قطا يداعب قطعة من الحديد معلقة بجانب الشرفة فتصطدم بالحائط محدثة ذلك الصوت الذي حسبته قادما من غرفة المعيشة ..

تبا!!! ..تبا !! ..لم يكن هناك أي لص أوعفاريت بل مجرد قط لعين تفرغ ليلعب بجوار شرفتي بعد منتصف الليل، اليوم فقط تذكرت لماذا أكره القطط، لولا إرهاقي لصنعت منه حساء القطط ولكن فيما بعد فأنا أشعر بالإرهاق ..سأنام الآن ..

هاه ..هذا الشعور بالدفء والغطاء ناعم الملمس..والنوم يداعب أجفاني ..يبدو أنني سأنام للظهيرة بعد هذا الحدث المستفز، لكني متأكد أنني لن أقرأ قصص رعب مرة أخرى قبل النوم .