يُقال إن الذكاء الاصطناعي هو العمود الفقري لعصر الآلات الجديد، وتتنافس شركات بمليارات الدولارات لتطويره. لكن هل تساءلت يومًا ما الذي يحدث خلف الكواليس؟
الصحفية والمهندسة السابقة في معهد MIT، كارين هاو، تكشف في تحقيق طويل أن هذه الثورة التقنية ليست فقط عن الابتكار، بل أيضًا عن تلوث بيئي، استغلال عمال في دول فقيرة، وأفكار متطرفة تحرك هذه الشركات أكثر من أي خطة تجارية واضحة.
ما هو الذكاء الاصطناعي أصلًا؟
الذكاء الاصطناعي مصطلح "فضفاض" استُخدم لأول مرة عام 1956 لجذب التمويل. اليوم نقصد به قدرة الحواسيب على تقليد الذكاء البشري، لكن الحقيقة أننا لا نعرف تمامًا كيف يعمل العقل البشري أصلاً.
معظم ما نراه اليوم هو "التعلّم العميق"، وهو نوع من الذكاء الاصطناعي يستخدم شبكات عصبية لمعالجة كميات ضخمة من البيانات. ولكن المشكلة أن الكلمة نفسها "الذكاء الاصطناعي" أصبحت تُستخدم بشكل مبهم جدًا، وكأنها تعني "أي تقدم" أو "كل شيء"، دون تحديد ما إذا كنا نتحدث عن شيء بسيط أو تقنية تستهلك موارد مهولة.
التكاليف البيئية: الطاقة والماء والأرض
هل تعلم أن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي يتطلب طاقة أكبر من استهلاك بريطانيا سنويًا؟ معظم هذه الطاقة تأتي من الوقود الأحفوري، وبعض الشركات تستخدم توربينات غازية ملوثة بدون ترخيص!
وليس هذا فقط، بل تحتاج مراكز البيانات إلى كميات ضخمة من (المياه العذبة للتبريد)، وغالبًا تُؤخذ من مياه الشرب العامة. في الأوروغواي مثلًا، أرادت Google بناء مركز بيانات أثناء جفاف تاريخي، ما زاد من أزمة المياه. وفي إنجلترا، أوقفت الحكومة بناء منازل جديدة في بعض المناطق بسبب استهلاك مراكز البيانات للكهرباء والمياه.
سباق "الذكاء الكامل"… وهوس السيطرة
شركات مثل OpenAI وGoogle وMeta وغيرها تتسابق لصنع "ذكاء عام اصطناعي" AGI، وهو نوع متطور جدًا قد يتمكن من اتخاذ قرارات مستقلة. لكن لا أحد يعرف ما إذا كان ذلك ممكنًا أصلاً، أو حتى ما هو "الذكاء الكامل".
الكثير من هذه الجهود لا تحركها خطط عمل واضحة، بل (إيمان عميق بأن هذه التقنية ستغير العالم)، وأن من يسبق الآخرين في تطويرها سيمتلك قوة كبيرة. بعض الشركات تعرض على المستثمرين وعودًا بأرباح خيالية لو تمكّنت من استبدال البشر بالآلات.
من منظمة غير ربحية إلى شركة عملاقة: قصة OpenAI
تأسست OpenAI كمنظمة غير ربحية على يد إيلون ماسك وسام ألتمان، وكان هدفها أن تكون بديلًا مفتوحًا لتكنولوجيا Google. لكن سريعًا ما اكتشفوا أنهم بحاجة إلى أموال ضخمة، فتحولوا إلى شركة تجارية. سام ألتمان أصبح لاحقًا رمزًا قويًا في وادي السيليكون، معروفًا بقدرته على إقناع المستثمرين والتأثير في السياسات العامة.
الثمن الإنساني: من يعمل خلف الشاشات؟
هل تساءلت يومًا من يدرب نماذج الذكاء الاصطناعي؟ في كينيا، وظّفت OpenAI عمالًا لقراءة وتصنيف أسوأ المحتويات من الإنترنت: عنف، كراهية، إساءة للأطفال. بعضهم أصيب بصدمة نفسية حادة، وحدثت لهم مشاكل في حياتهم العائلية.
في كولومبيا، كان لاجئون من فنزويلا يعملون لساعات طويلة من أجل التقاط مهام بسيطة عبر الإنترنت مقابل دولارات قليلة، بينما مدراء الشركات الكبرى يحصلون على رواتب بملايين الدولارات.
تقول هاو إن هذه الشركات تشبه "الإمبراطوريات القديمة"، مثل شركة الهند الشرقية البريطانية، التي بدأت صغيرة وانتهى بها الأمر تتحكم في اقتصاد وسياسة دول كاملة. الآن، بعض شركات التكنولوجيا تتجاوز الحكومات في قوتها، وتفرض مشاريعها دون الرجوع للناس أو البيئة.
مثال: بعض الشركات تتجاهل القوانين البيئية، وهناك مقترحات سياسية لمنع الولايات الأمريكية من تنظيم الذكاء الاصطناعي، ما يمنح هذه الشركات حرية تامة.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
تؤمن هاو أن هناك أمل. الناس حول العالم يمكنهم مقاومة هذا الاتجاه من خلال:
- المطالبة بالخصوصية: لا توافق على جمع بياناتك دون إذن.
- التدقيق في المدارس والجامعات: كيف ولماذا نستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي؟
- الضغط على الحكومات والمجالس المحلية: من يموّل هذه الشركات؟ ومن يربح من وراء مراكز البيانات؟
- تشجيع الذكاء الاصطناعي الأخف والأقل استهلاكًا للموارد: ليس كل تطبيق يحتاج إلى نماذج عملاقة.
خلاصة
الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا في حد ذاته، لكن الطريق الذي يُطوّر به اليوم مليء بالمشاكل الأخلاقية والبيئية. إن لم نطرح الأسئلة، ونطالب بالشفافية والعدالة، فقد نجد أنفسنا في عالم تتحكم فيه القلّة، تحت اسم "الذكاء".
هل نحن مستعدون لنُعيد تعريف مستقبل التقنية… أم سنبقى في ظلّ إمبراطوريتها؟
التعليقات