بعد أشهر من بيع قسم الهاتف النقال لدى نوكيا وخروجها من السوق نهائيا، بدأت تنتشر تسريبات لمراسلات داخل الشركة، يذكر فيها المدراء صراحة أسباب فشلهم.
بدى في الكثير من المرات أن السبب الرئيسي لمآل نوكيا كان الجانب البشري، فعمال الشركة أصابهم في وقت ما الغرور والاعتداد بالنفس والكسل، كما نخر التملق جسد المؤسسة، بموظفين أفرطوا في شكر سياسات المدراء وامتنعوا عن تبيان الحقيقة لهم.
في الأسطر التالية مقتطفات لبعض الاعترافات المسربة من داخل الشركة:
“تم شحن أول آيفون سنة 2007، أما نحن فإلى الآن مانزال لا نملك أي هاتف يقدم تجربة مقاربة لتجربة آيفون. أندرويد صدر منذ سنتين، وهاهو يطيح بنا هذا الأسبوع من صدارة المبيعات، هذا لا يصدق” – مراسلة داخلية من المدير التنفيذي ستيفن إيلوب إلى العمال سنة 2010.
“لدينا مصادر رائعة للإبداع داخل نوكيا، لكننا لا نوصلها بشكل سريع إلى السوق. نعتقد أن MeeGo سيصبح منصة للهواتف الرائدة، لكننا بهذا النسق لن نتمكن في 2011 إلا من إصدار هاتف واحد بنظام MeeGO” – ستيفن إيلوب للعمال.
“برهن Symbian أنه بيئة صعبة جدا على المطورين لتلبية رغبات المستخدم” – إيلوب للعمال.
“لقد سكبنا البنزين على بيتنا المحترق. أعتقد أننا تنقصنا روح المسؤولية والقيادية لتوجيه الشركة في هذا الزمن المضطرب. لقد مررنا بسلسلة من الإخفاقات ولم نقدم الجديد في الوقت المناسب. نحن لا نتعاون داخليا. نوكيا.. شركتنا تحترق” – إيلوب للعمال.
“هنالك حرارة عالية قادمة من منافسينا بسرعة أكبر مما كنا نتوقع. آبل قلبت السوق بإعادة صياغة مفهوم الهاتف الذكي، واستقطاب المطورين إلى بيئة عمل مغلقة لكنها قوية للغاية” – إيلوب للعمال.
“كنا نعلم بأمر الآيفون قبل صدوره بسنة، كما كنا نعرف العديد من مواصفاته، وأهم شيء أثار انتباهنا هو أننا لم نكن نملك أي شاشة لمس ولم نكن نعمل على تطوير إحداها” – تصريح لمدير متوسط منشور في بحث علمي بجامعة جونسن كورنيل (المصدر أدناه).
“لم يكن بإمكاني القول أمام الجميع أن نظام Symbian كان سيئا وعلينا تغييره بـ MeeGo في أقرب وقت، لأنني كنت أخشى الأثر السلبي على مبيعات Symbian. مؤسستنا يجب أن يكون لديها الإيمان بنفسها. يجب عليك أن تثق بالسلاح الذي تحمله، لأنه الوحيد المتوفر” – مدير متوسط في نوكيا من قسم التطوير.
“المدير متعود على الانزعاج من أي شخص يقول له أن الأمور لا تسير بشكل جيد. لقد كانت لديه طريقته الخاصة في جعل الجميع يقولون أن كل شيء على ما يرام” – مدير متوسط من قسم التطوير.
“نقد المؤسسة كان ينظر إليه بشكل سلبي. الفكرة السائدة كانت أن الشخص الذي ينتقد العمل هو شخص ذو انتماء ناقص نحوها” – مدير متوسط من قسم الموارد البشرية.
“حتي في بداية الألفية، تم تغيير نظام المبيعات، بشكل جعل الرابط بين الزبون والشركة غير واضح. أصبح هنالك حاجز بين الزبون وفريق تطوير النظام لدينا، وهذا ما قضى على الشفافية، وحتى على الحماس” – مدير متوسط من قسم التطوير.
“كل صباح كانت لدينا استراتيجية جديدة، كل صباح كانت لدينا زاوية جديدة، تماشيا مع ما يقوله نائب الرئيس المسؤول على القسم، وهكذا كانت الإدارة الجديدة” – مدير متوسط من قسم التطوير.
“كانت نظرتنا لسلع منافسينا خاطئة تماما ما بين 2005 و 2008، وقد كان الناس هنا لا يعرفون إلى أي مدى أندرويد وآيفون كانا جيدين. لقد كانت مجموعة صغيرة منا فقط من تعرف مدى تطور منافسينا، ولقد جاءتهم المعلومات من خارج الشركة” – مسؤول متوسط.
هذه كانت أخطاء نوكيا في آخر أيامها
بعد كل ما رأيناه عبر تاريخ الشركة، من عز هيمنتها في التسعينات إلى غاية استسلامها في 2013، مرورا بالاعترافات المؤسفة المسربة من داخل الشركة، يمكننا تلخيص أهم العوال التي قادت عملاق الصناعة الهاتفية إلى الانهيار:
عدم التأقلم مع التطورات
رغم كون نوكيا من أوائل صانعي الهواتف الذكية (نظام Symbian عام 2002) إلا أنها فوتت فرصة الالتحاق بقطار التقدم التكنولوجي السريع الذي استبدل الهواتف التقليدية بالهواتف الذكية. وهذا راجع الى استمرارها في إعادة إنتاج النسخة القديمة من نظامها، في حين منافسيها قدموا أحدث وأفضل أنواع الهواتف الذكية، معتمدة على أنظمة تشغيل مبتكرة.
الغرور المفرط بالريادة
احتلت الشركة المركز الأول في سوق صناعة الهواتف المحمولة بعد اطلاقها Symbian فاعتمدت على شهرتها هذه بدون القيام بأي مجهودات إضافية للحفاظ على مكانتها، فكانت المفاجأة ظهور آيفون عام 2007 الذي قلب الموازين وأفقدها شهرتها.
المنافسة الشرسة
ظهرت شركات مثل أبل وسامسونغ وبلاكبيري ونوكيا كرواد في سوق صناعة الهواتف الذكية ، مما أدى إلى خلق منافسة قوية خسرتها نوكيا بسبب عدم تحديثها لخدماتها.
الصورة الثابتة عند الزبون
عرّفت نوكيا باعتبارها كواحدة من أفضل شركات الهواتف المحمولة. لكن صورتها بقيت نفسها في ذهن المستهلك لم يتطرق عليها أي تغيير، فكلنا نتذكر لعبة الثعبان التاريخية، ولكن لا أحد سيشتري هاتفا فقط بغرض الحصول على اللعبة. هنا يظهر أن الشركة لم تجاري تيار التغيير التكنولوجي ولم تفكر في انشاء صورة حديثة لها عند المستهلك ولا في عامل ظهورها بحلة جديدة مميزة في ساحة المنافسة.
عدم إعادة تنظيم الوضع
يتعلق مصطلح إعادة التنظيم بمجال التسويق حيث يشير إلى تغيير الصورة الحالية للعلامة التجارية أو الشركة إلى صورة أحدث من خلال ابراز ميزاتها وإنجازاتها الجديدة. لكن نوكيا لم تتخد هذا القرار في الوقت المناسب فكان هذا أحد الأخطاء التي أدت إلى فشلها.
الافتقار إلى الاستراتيجيات
لم تتحكم شركة نوكيا بخطة معينة في مجال التسويق لهواتفها بل تركت عملاءها في الظلام بالنسبة لمنتجاتها، عكس منافستيها آبل وسامسونج، الليان تحكمتا فيها بطرقة مثالية. فمثلا، تطلق كل شركة هاتفا رائدا واحدا كل عام، وتبقي زبائتها ينتظرون صدور النسخة القادمة منه في العام المقبل، وهو ما لم يحدث عند نوكيا، التي لم تعرف لها أية سلسلة ثابتة من الهواتف.
غياب اللمسة الإبداعية
لم تستطع الشركة مجاراة النمو السريع في مجال التكنولوجيا لذا وجب عليها الاختيار بين الإبداع و الظهور في السوق التجارية أو الاستثمار في نموها أكثر، ونتيجة لقرارها لم تكن لقسم البحث والتطوير في الشركة أية موارد للعمل مما أدى إلى قصر في انشاء أحدث الهواتف الذكية.
تغيير الهيكل التنظيمي باستمرار
قامت نوكيا بتغيير بنيتها التنظيمية قصد تسريع انتاجها ولكن هذا القرار لم يكن موضع ترحيب من قبل جميع الأطراف المعنية في الشركة، مما أدى بمغادرة بعض أعضاء إدارتها العليا. وكان هذا أحد الأخطاء التي أدت سقوطها فهي لم تستطع الاستمرار بدون أوراقها الرابحة.
الخصومات الداخلية
عرف أعضاء ورؤساء شركة نوكيا افتقارا في تنسيق العمل فيما بينهم مما أدى إلى ظهور عدد من القضايا التشغيلية. لم تؤثر هذه الخصومات على الشركة لكنها ساهمت بشكل غير مباشر في سقوطها.
قصور النظرة الاستشرافية
يمكن للقائد ذي النظرة المثالية للمستقبل أن يحول مشاكل شركته إلى حلول تؤدي إلى مستقبل مشرق. لم يكن هذا هو الحال بالنسبة لنوكيا وهذا لافتقارها للرؤية الواضحة لمستقبلها حيث أنها اكتفت بالنجاح قصير الأجل متجاهلة السوق الواسعة. وقد أفسح ذلك، المجال أمام الشركات الجديدة والمنافسين للدخول إلى السوق ولمس آفاق جديدة ونطوير ماركات أقوى.
الاكتفاء بنجاح واحد
بمجرد أن تحقق الشركة قدرا كبيرا من النجاح، أغلب العاملين يشعرون بالرضا عن الذات ولا يركزون على العمل. وهذا الموقف يقلل من كفاءة الشركة نتيجة لذلك، لذا تراجعها كان أمرا لا شك فيه.
المبالغة في تقدير قوة العلامة التجارية
هناك عامل آخر مهم يمكن اعتباره سببا لانهيار نوكيا، وهو أن الإدارة بالغت في تقدير العلامة التجارية. فاستمرت إدارة الشركة في الاعتقاد أن الناس سيستمرون في شراء المنتجات المصنعة تحت اسم علامتها التجارية بصرف النظر عما تنتجه الشركة. كان ذلك صحيحا إلى حد ما. ولكن مع طرح منتجات أبل ودخول علامات تجارية أخرى مثل هواوي وزتي تي إي، لم يكن المشترون على استعداد لشراء منتجات نوكيا.
رغم أن نوكيا قد لن تعود لسابق عهدها أبدا، أو أنها قد تعود بعد زمن طويل، بل حتى أن عودتها لن تفيدك ولن تفيدني في شيء، ولا خسارتها ستضرك أو تضرني في شيء، إلا أن وجود نوكيا وتطورها جعلنا سعداء بطريقة ما، فاسمها شكل جزءا من ذكرياتنا، وجزءا من زمن جميل، لكل واحد منا ذكرياته فيه. نوكيا مثل زين الدين زيدان، سواء كنت مشجعا لريال مدريد أو برشلونة، لجوفنتوس أو ميلان، لبوردو أو ليون، لا يسعك إلا أن تحبه.
مصدر 1:
مصدر 2:
التعليقات