يقولون أن الرياضيات هي لغة الكون، وهي التي تفك ألغاز العلوم الأخرى، وهي التي أحدثت الثورة الصناعية في أوروبا، وغيرها الكثير من الأقوال التي قد نكون نرددها ولسنا مقتنعين بها.

معظمنا درس الرياضيات لمدة تزيد عن 12 عامًا، البعض أحبها والبعض الآخر لا.

الرياضيات لها فروع عديدة منها الجبر، والتفاضل والتكامل، والهندسة المستوية، والهندسة الفراغية، والإحصاء، والإحتمال، والإستاتيكا، والديناميكا، وغيرها الكثير من الفروع.

سنتحدث مثلاً على فرع التفاضل والتكامل، والذي يعده بعض المؤرخين هو العامل الأول في الثورة الصناعية التي كانت سببًا في نهضة أوروبا. فهذا العلم له ميزات عديدة ويدخل في جميع مناحي الحياة تقريبًا. فعلى سبيل المثال، إذا أردت أن تحسب سرعة جسم معين، ستفاضل المسافة التي قطعها هذا الجسم مع الزمن الذي استغرقه. وأيضًا، إذا أردت أن تحسب مساحة دائرة، سوف تجري عملية التكامل لنصف القطر بالنسبة للزاوية بالراديان كتكامل مغلق لقياس الدائرة. هذه أمثلة بسيطة.

دعونا نستغرق أكثر. هل تسائلت يومًا كيف يمكن قياس درجات الحرارة في أفران صهر الحديد التي قد تصل في درجة حرارتها إلى 1500 درجة مئوية؟ أمر محير حقًا، ولكن الرياضيات وبالتحديد علم التفاضل حل لنا مثل تلك المشاكل من خلال معادلات تفاضلية تأخذ في اعتبارها متغيرات معينة مثل وزن الحديد، وحجم الحديد، ودرجة إنصهاره، ودرجة الحرارة وغيرها. وبعد إجراء مجموعة عمليات عليها، تعطينا درجات الحرارة بدقة عالية جدًا.

هل تسألت يومًا كيف لمدفع يطلق قذيفة تخرج على شكل قوس أن تذهب مسافة معينة لتصيب هدف محدد بدقة عالية؟ إنه علم الديناميكا وبالتحديد علم المقذوفات الذي من خلال بعض المعادلات الرياضية التي تحتوي على بعض المتغيرات مثل زاوية مسورة المدفع، والمسافة التي يبعدها الهدف، ووزن القذيفة، وسرعة انطلاقها، نستطيع بعد إجراء بعض العمليات على هذه المتغيرات تحديد الموقع الذي ستسقط فيه القذيفة.

هل تسألت يومًا كيف يتعرف الكمبيوتر من خلال الذكاء الاصطناعي على الصور أو الفيديوهات؟ كلنا نعلم أن الصورة تتكون من مجموعة من البكسلات، وكل بكسل يأخذ قيمة عددية من 0 إلى 255 حسب درجة اللون. هذا في الصور الأبيض والأسود. وفي الصور الملونة RGB، تتكون الصورة من 3 قنوات، كل قناة تأخذ قيمة من 0 إلى 255 حسب درجة اللون. فكيف للكمبيوتر أن يفهم مثل هذه الصور ويحولها إلى أرقام؟ هنا تدخل الرياضيات في عملية تسمى التشفير وفك التشفير، والتي تستخدم فيها المصفوفات الجبرية ليتم تخزين قيم البكسلات التي تمثل الصورة بطريقة معينة، ليتم إجراء بعض العمليات عليها ويتعرف عليها الكمبيوتر بسهولة. لأنه كما تعرف ياصديقي، أن الكمبيوتر لا يفهم إلا الأرقام الثنائية 0، 1. وهي العملية التي تلى عملية تحويل قيم البكسلات من الأرقام التي نعرفها إلى أرقام نعرفها من خلال معادلات أيضًا. كل هذه العملية المعقدة والطويلة للتعرف على الصورة كان بطل القصة فيه هو علم الجبر، الذي يعد أحد أهم ركائز التطور التكنولوجي الذي نراه اليوم.

وأخيرًا، دعني أطرح عليك سؤالًا: هل عند دراستك لعلم الجبر وغيره من فروع الرياضيات الأخرى دون معرفة فيما يستخدم وكيف يستخدم ويطبق، هل كنت تشعر بأهميته؟

لذا، دعني أخبرك بشيء: الرياضيات كحرف الجر في اللغة العربية لا يظهر معناه إلا مع غيره. فعند دراسة الرياضيات مجرده بدون معرفة تطبيقاتها في العلوم الأخرى، لن تشعر بأهميتها وقد تمل من دراستها.

الآن جاء دورك ياصديقي، أخبرني كيف كانت رحلتك مع الرياضيات؟ هل كنت تستمتع بدراستها أم لا؟ وهل كنت تشعر يومًا بأهميتها وإلى أي مدى؟