شخصية كثر حولها الجدل .. بين سندان التأييد والمحبة والتضامن، ومطرقة التخوين والتكذيب والطعن في الدين، يقف الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، تغشاه مهابة الصامتين الحكماء، يتواني عن الرد علي الإنتقادات التي توجه إليه، ويترفع عن الدفاع إعلامياً عن نفسه طيلة الفترة السابقة. عالمُ من أكثر 50 شخصية تأثيراً في العالم الإسلامي للعام العاشر علي التوالي طبقاً للمركز الإسلامي الملكي للدراسات الإستراتيجية. ومع ذلك تفرق الناس فيه فرقاً، منهم ذام ومادح ومنهم من اتخذ موقف الحياد وهم قلة. وظللت السنوات الطوال الأخيرة أتابع بترقب في صمت عميق، حتي تسنت لي الفرصة وسنح لي المقام، أن أكتب بحياد وأفتش وأدرس المسائل التي أنتقد بسببها ووصفت بالشاذة وأرصدها بموضوعية، لنرفع عنها ولأجله الحُجُب والضبابية، ليتبني المرء قناعته علي علم وبيان، ونرد الحق المسلوب لشخصية أظنها من أكثر الشخصيات التي ظلمت وأفتري عليها في الحقبة الأخيرة!. وليس مثلي من يقيم العلماء أو يحكم عليهم، لكن أظنها كتابات وتعليق مجد أثناء الروحة اصبو بها إلي الحق راجياً مولاه، حتي وصل الزيف في حق الرجل أن تم التزوير في حقائق وتواريخ حديثة العهد الأمر الذي أدهشني. مثل الندوة التي قال فيها أمام الرئيس السيسي ( اضرب في المليان ) .. ( ناس نتنة .. ريحتهم وحشة ) كانت بعد فض إعتصام رابعة بأربعة أيام فكانت يوم 18/8/2013 ، وفض رابعة كان يوم 14/8/2013 وكانت الكلمة حول العمليات الإرهابية والاعتداء على الآمنين والمنشآت، ولم يذكر كلمة الإخوان أو المتظاهرين ولكنه تحدث عن من يقومون باستهداف قوات الجيش ويروعون الآمنين وهذا هو الفيديو كاملاً :
وبرر لنفسه ولأول مرة اتهامه بالقول بقتل الإخوان حيث قال:"لم ألتق بجنود الأمن المركزي، ولم أوصهم بقتل الإخوان، وإنما كان لي تسجيل في الشؤون المعنوية بالجيش تحدثت فيه عن الخروج بالسلاح، وقيام البعض باستخدامه لقتل الشرطة والجيش، وجواز قتل من يفعل ذلك لمجرد حمل السلاح". وتابع الشيخ أن "من خرج فى مظاهرات تتحول إلى عنف وهو يعتقد أنه مدافع عن الإسلام، غير مدرك للحقائق، فلا شئ عليه، أما إذا كان مدركا أن المظاهرات هدفها تحقيق مصالح شخصية أو حزبية فهو مخطئ وآثم؛ لأنه ساهم في نشر العنف والفتن بين أبناء الشعب". وفي مقام حسن الظن بالناس يقول ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻣﺎﻟﻚ : "ﻟﻮ ﺍﺣﺘﻤﻞ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻣﻦ ﺗﺴﻌﺔ ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻭﺟﻬﺎً ﻭﺍﺣﺘﻤﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻭﺟﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﻟﺤﻤﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ".!
فهذا جهد المقل، وجمعت به ما يقرب من اثني عشر مسألة مع التعليق عليه.
1- قوله أن الحشيش طاهر لا ينقض الوضوء عند حمله أو شربه.
قال الشافعية وغيرهم الأصل في الأعيان الطهارة حتي يأتي دليل علي نجاستها، قال الصنعاني في " سبل السلام 1/52": والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة؛ فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكذا المخدرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها، وأما النجاسة؛ فيلازمها". ويقول خطاب السبكي في الدين الخالص: " والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة". فالحشيش فمقطوع بطهاراته وحرمته فقال النووي بطهارته وقطع به ابن دقيق العيد وحكي الإجماع علي ذلك ( المواهب اللدنية 1/515). لأنه لم يرد نص يدل علي نجاسته تصريحاً أو تلميحاً. والطهارة لا تمنع التحريم .! يقول البيجوري في حاشيته علي شرح الغزي علي متن أبي شجاع: " وخرج بذلك ما يباح قليله ويحرم كثيره كالبنج والأفيون والحشيشة وجوزة الطيب فهو طاهر". وكل ما كان طاهراً جاز حمله والصلاة به. يقول ابن تيمية:"الطاهر: ما حل ملابسته، ومباشرته، وحمله في الصلاة" وحتي الخمر التي قال بنجاستها تبعاً للأئمة الأربعة قد اختلف العلماء في طهارتها قديماً منهم الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك، والليث بن سعد، والمزنى صاحب الإمام الشافعى، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين والشوكاني والصنعاني، فقالوا : إن الخمر طاهرة ، واستدل سعد بن الحداد القروى على طهارتها بِسَكْبِها فى طرق المدينة عند ما جاء النص بتحريمها، حيث قال : لو كانت نجسة ما فعل الصحابة ذلك ، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلى فى الطرق -أى البول والغائط فيها-وعلى هذا يكون الكحول طاهرا. ( موسوعة أحسن الكلام للشيخ عطية صقر 3/25).
2- قوله أن أبا الهول هو نبي الله إدريس عليه السلام.
كما شاهداً أن الشيخ أكد مراراً أنه ( يقال ) وأن هذه ( أخبار ملهاش سند ولا حاجة ). فهذه المعلومات وردت وأشتهرت في كتب قديمة كثيرة. وعند البحث تجدها عند القفطي في إخبار العلماء بأخيار الحكماء ص2 حيث قال ما نصه: "اختلف الحكماء في مولده ومنشئه وعمن أخذ العلم قبل النبوة. فقالت فرقة: ولد بمصر وسموه هرمس الهرامسة، ومولده بمنف; وباليونانية أرميس وعرب بهرمس ومعنى أرميس عطارد. وقال آخرون اسمه باليونانية طرميس.. وسماه الله في كتابه المبين " إدريس " وقال هؤلاء أن معلمه اسمه الغوثا ذيمون، المصري، وسموه أيضا أورين الثاني وإدريس عندهم أورين الثالث. وقالوا: وخرج هرمس من مصر وجاب الأرض كلها ثم عاد إليها ورفعه الله إليه بها، بعد 82 سنة من عمره.
وعند ابن كثير أيضا في قصص الأنبياء في الجزء الأول حيث قال ما نصه: " فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، و هو إدريس عليه السلام على المشهور. ... ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك، ويسمونه هرمس الهرامسة ... " قال السيوطي في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة 1/30" : " واستخلف شيث ابنه أنوش، واستخلف أنوش ابنه قينان، واستخلف قينان ابنه مهليائيل واستخلف مهليائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه، وعلمه جميع العلوم، وأخبره بما يحدث في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم، وولده ليرد أخنوخ، وهو هرمس، وهو إدريس النبي عليه الصلاة والسلام..."
كذلك عند النسفي قال النسفي في الإكليل 7/349 ما نصه:" كذا ذكره ابن قتيبة في الأنساب وكان نبيا وملكا عظيما ولد بمصر سموه هرمس الهرامسة أي أسد الأسود وهو عطارد ... " وذكر غالب ما ذكره الشيخ علي جمعة في كلامه من معرفة النجوم ومسارات الكواكب والأقمار وذكر أنه كان نبي وحكيم وملك. وغير ذلك. وعند ابن العماد الحنبلي في " شذرات الذهب 4/440" ، وعند البلارذي في " أنساب الأشراف 1/3" حيث ذكر أن أخنوخ هو أدريس عليه السلام. كذلك ابن الفوطي في " معجم الآداب 4/356" ورجح ذلك ابن عاشور في " التحرير والتنوير 17/129". وتجد مثل ذلك عند المتأخرين في العصر الحديث مثل رفاعة الطهطاوي في " الأعمال الكاملة 3/123". وفند الآراء وذكرها حسين الأدريسي في كتابه " محمد عابد الجابري ونقد العقل العربي 143- 144 " والدكتور جورج طرابيشي في كتابه " مذبحة التراث ص 95 - 96 ". فدل ذلك علي أن المعلومات متداولة ولو تتبعت أكثر سأجد الكثير من المصادر الأخري ونؤكد كما أكد الشيخ أن كون إدريس هو هرمس الهرامسة هو أخنوخ هو أبو الهول مجرد نظرية وردت في كتب الأقدمين. مع العلم أن التأريخ الإسلامي ونظمه استفادت منه الدنيا بأسرها، وعلم المصريات علم غربي محض، من حيث الأصول الأسس، وهذه النظرية نظرية إسلامية محضة، فلما نأتي علي نظرية إسلامية لصالح نظريات إستشراقية لم ترقي لمستوي الحقائق العلمية واليقين، والتأريخ المصري القديم يعاني من مشكلتين: الأولي وهي عدم وجود مؤرخين، والثانية أن التأريخ عندهم كان مرتبط بالملوك حسب الإنجازات، لا بالسنوات والأحداث كما في التاريخ الإسلامي، وفترات الاستقرار كان التأريخ منضبط أما فترات الإضطراب تتعثر فيها حركة التأريخ، فهذا يصنع فجوات كبيرة متناثرة علي إمتداد السجل الفرعوني، فإضطراب عملية التأريخ بشكل عام يجعل أغلب المروايات والكتابات ظنية سواء غريبة استشراقية أو إسلامية، ولا يقابل الظن بالظن، فالأمر يحتاج إلي دراسة مستفيضة ربما يكون صحيحاً وربما غير ذلك .. فما الضير في هذا؟!
3- قوله الصينيون رسموا الرسول صلي الله عليه وسلم.
الحقيقة أن هذه المعلومة لا تحتمل كل هذا التشغيب حولها فالمعلومة ليست بالشاذة المنكرة لأنها وردت في كتب التاريخ فنجد أول ذكر لها عند المسعودي في أقدم رواية تاريخية حكت عن وجود صورة للرسول، يروي المسعودي في الجزء الأول من "مروج الذهب"، عن التاجر العربي الذي رحل إلى الصين، حيث قابل الإمبراطور، والذي أخرج له صندوقاً خاصاً يضم صوراً لجميع الأنبياء، لم يستثن منهم الرسول صلي الله عليه وسلم، الذي ظهر في إحدى الصور وهو على جمل ومن حوله صحابته. يرويها أيضًا المؤرخ الجغرافي أبو زيد حسن السيرافي المتوفي سنة 330هـ في كتاب "أخبار الصين والهند"، أن رجلا عربيا يدعى ابن الوهاب وصل إلى مدينة تشانغ آن عاصمة إمبراطورية أسرة تانغ (مدينة شي آن حاليا) في 257 هـ/ 870 م و إلتقى الإمبراطور الصيني لي تسوي (833- 873 م)، وخلال اللقاء أخرج الإمبراطور مجموعة من الصور وطلب من ابن الوهاب أن يتعرف على صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتعرف ابن الوهاب على صورة النبي موسى عليه السلام مستنداً إلى عصاه، وتعرف على النبي عيسى عليه السلام يركب حماراً، ثم تعرف على النبي محمد صلي الله عليه وسلم يركب ناقته. بعد ذلك وجه له الإمبراطور جملة من الأسئلة عن تعاليم وعقيدة الإسلام.
وأوردها أيضا المؤرخ د. محمد عبدالعزيز مرزوق في كتابه "الإسلام والفنون الجميلة" الفصل الأول من هذه الراوية، بأن إمبراطور الصين كان مهتماً جداً بالإسلام، حتى أنه أرسل إلى النبي وفداً خصيصاً لمقابلته ورسمه. فالمعلومة قديمة ومتداولة والشيخ علل ذكره لها بقوله ( يقال ) أي في مقام البيان والعرض للمستمع ليزداد أفقه وتتسع مداركه. وهذه أخبار وحكايات بلا سند.!
4- قوله أن النبي صلي الله عليه وسلم من برج الحمل.
الشيخ قال أن الحد الأدني الذي هو جائز في معرفة الأبراج إنما هو معرفة صفات وطبائع الناس، ولا يتأتي ذلك إلا عن طريق التتبع والمشاهد والتجربة التي هي من مصادر المعرفة.
وهذا الكلام قاله كثير من العلماء قبله منهم السفاريني الحنبلي صاحب كتاب ( غذاء الألباب 1/251): " الذي يحرم من علم النجوم ما ذكرنا مما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في الزمن المستقبل، كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغير الأسعار، ونحو ذلك، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان، وهذا شيء استأثر الله بعلمه لا يعلمه أحد غيره . وقد بين ذلك في ( مفتاح دار السعادة ) بما يطول ذكره . فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فإنه غير داخل في النهي ، بل معرفة ذلك مندوب إليها والله أعلم ... ".
يقول الشيخ علي الطهطاوي في كتابه ( فتوحات الرحمن ص 22) ما نصه: "حكم تعلم علم النجوم؟ ج: هو على قسمين جائز ومحرم، فالجائز ما يدرك بطريق المشاهدة كالاستدلال بالشمس والقمر علي أوقات الصلاة وجهة القبلة ونحو ذلك ... والمحرم ما يدعيه أهل النجوم من معرفة الحوادث التي لم تقع... ". فكل ما كان ضربا بالغيب وإستشرافاً للمستقبل فهو درب من دروب الخرافة. أما الحسابات الفلكية والصفات العامة الثابتة للأبراج التي تنسحب علي غالبية المنتمين للبرج التي جاءت من طريق النظر والتجريد فلا ضير في ذلك. فالجواب علي قدر حال السائل، والسائلة في هذه المسألة قالت أنها تبتعد في قراءتها لعلم الأبراج عن مناحي التنجيم، والحظ والضرب بالغيب، فهذا القدر من المعرفة لا شئ فيه، لأن العلة في تحريم علم التنجيم هو الضرب بالغيب، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فما كان من الثوابت التي تأتي من طريق النظر فليست من التنجيم قياساً علي الحسابات الفلكية ومعرفة المواقيت التي أجازها العلماء، والله أعلم.
وفي حلقة كاملة تكلم الشيخ عن هذه القضية بتفصيل يرفع عنه كل شائبة.
5- أنه يقول بإسقاط حرمة النظر إلي المتبرجة حال تعذر غض البصر.
الشيخ ذكر مجموعة من الأخبار استدل بها علي ما ذهب إليه. وهذه الأخبار ثابته واستدل بها بعض العلماء قديما علي ما قال به الشيخ علي جمعة منهم الأحناف وغيرهم. ومن ذلك قصة عمر مع النائحة: عن الأوزاعي قال : بلغني أن عمر سمع صوت بكاء في بيت، فدخل معه غيره، فأمال عليهم ضرباً حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها فعدل الرجل فقال: اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها، إنها لا تبكي بشجوكم إنها تهريق دموعها على أخذ دراهمكم، إنها تؤذي أمواتكم في قبورهم وتؤذي أحياءكم في دورهم، إنها تنهى عن الصبر، وقد أمر الله به، وتأمر بالجزع وقد نهى الله عنه . تاريخ المدينة ج 3 ص 799. (والأثر صحيح).
يقول ابن عابدين الحنفي في رد المحتار 3/195 تعليقاً علي الأثر السابق ما نصه:" ووجه الأخذ من قول عمر رضي الله تعالى عنه أنه إذا سقطت حرمة النائحة تسقط حرمة هؤلاء الكاشفات رءوسهن في ممر الأجانب لما ظهر له من حالهن أنهن مستخفات مستهينات وهذا سبب مسقط لحرمتهن فافهم". قال الخصاف وهو من كبار فقهاء الأحناف المتقدمين المتوفي سنة 261 في كتابه " أدب القاضي ص 340" والزيلعي في" تبيين الحقائق 5/238" ما نصه: تكلموا في قوله ( لا حرمة لها ) .. منهم من قال : انها لما انشغلت بما لا يحل في الشريعة فقد أسقطت بما صنعت حرمة نفسها. فألحقت بالإماء..."
وفي بريقة محمودية للخادمي الحنفي 5/333 ما نصه:" أن أبا بكر الأعمش خرج إلى الرستاق وكان النساء في شط نهر كاشفات الذراع والرءوس فذهب إلى أن خالطهن ولم يتحام عن النظر إليهن فقيل له كيف هذا فقال لا حرمة لهن لهتكهن حرمة أنفسهن ، ومثل ما روي عن عمر رضي الله عنه أتى النائحة حتى هجم عليها في منزلها فضربها بالدرة حتى سقط خمارها فسئل عن ذلك فقال لا حرمة لها في الشريعة ولذلك جوز نظر المحتسب عند تعزيرهن سيما عند كشف رءوسهن أو ذراعهن أو قدمهن فيندفع ما يورد أن نظرهن منكر آخر ... ". قال الخصاف في المرجع السابق تعليقاً علي قصة الأعمش في الرستاق: " لا حرمة لها بحيث يجب الامتناع لها عن سبب يفضي إلي هذا لأنها هي التي أذهبت حرمة نفسها. وعن هذا الحديث قالوا: لابأس بالهجوم علي بيت المفسدين إذا سمع صوت الفساد عندهم لأن صاحب الدار لما أسمع صوت الفساد من داره فقد أسقط حرمة داره ... كما فعل عمر في بيت القرشي والثقفي، فقد جوز عمر الهجوم".! يقول ابن نجيم في "البحر الرائق" (8/351): "ولا بأس بالنظر إلي شعر الكافرة". أما عن قول جعفر الصادق الذي ذكره الشيخ فلم أجده إلا في مراجع الشيعة حيث ورد في الكافي 5/524 عنه رضي الله عنه قال:" لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل التهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون ... وقال: والمجنونة والمغلوبة على عقلها ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك" فهذا هو قول عند الأحناف ولهم في ذلك أدلتهم كما سبق.!
6- قوله أن ملكة بريطانيا من آل النبي صلي الله عليه وسلم.
ولم يكن الشيخ علي جمعة الوحيد الذي قال بذلك. فمن قبله أكد عالم الأنساب جون بيرك، في كتابه "طبقة النبلاء" مؤسس مؤسسة Burke's Peerage المهتمة بأنساب الملكيات والنبلاء عام 1986 أن دماء الملكة إليزابيث تمتزج بدماء النبي محمد، من جهة ملوك أشبيلية العرب، الذين كانوا يحكمون الأندلس وعبر الزواج منهم، امتزجت دماؤهم بدماء ملوك البرتغال وقشتالة وحتى ملك إنجلترا إدوارد الرابع في القرن الخامس عشر.
حتي وصل به الأرمر إلي أرسال خطابا لمارجريت ثاتشر عام 1986، يقول فيه: "لا يعني انحدار العائلة المالكة من النبي محمد أن ذلك سيحمي العائلة من المسلمين الإرهابيين ... لا يعرف الكثير من البريطانيين حقيقة هذا النسب، إلا أن علماء الدين المسلمين يعرفون ذلك جيدا وهم فخورون بذلك".
وتقع نقطة الاتصال، وفقا للمؤرخين وعلماء الأنساب، إلى زائدة ابنة أبي القاسم المعتمد على الله بن عبَاد ثالث وآخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس، والذي يرجع نسبه إلى زهرة بنت الحسين بن الحسن حفيد النبي محمد، حيث كانت زائدة زوجة للفتح والملقب بالمأمون بن المعتمد بن عبّاد، وهي بذلك كنّة المعتمد بن عبّاد ملك إشبيلية. وعندما هاجم المرابطون إشبيلية في عام 1091، هربت زائدة إلى قشتالة حاملة معها أولادها، وهناك استقبلها ألفونسو السادس ملك قشتالة، ثم أُعحب بها وتزوجها، وتنصَّرت وتم تعميدها باسم إيزابيل، وأنجبت من ألفونسو ابنه الوحيد سانشو والذي تنحدر منه العائلة المالكة الحاكمة لبريطانيا الآن. وهذا ما أكدته أيضاً صحيفة الديلي ميل البريطانية حيث نشرت شجرة نسب الملكة إليزابيث
شجرة عائلة الملكة البريطانية - نشرتها جريدة الديلي ميل
وتقارير عديدة تنوالت قصة نسب الملكة البريطانية إلى النبي صلي الله عليه وسلم وكيف أن جدتها هي أميرة مسلمة من الأندلس، مما يجعلها ابنة عم ملوك الأردن والمغرب. منها تقرير صحيفة : الأسبوع الصحفي " المغربية. :
وبحسب التقرير فإن العائلة المالكة البريطانية تتصل بالنبي من ملوك إشبيلية الذين حكموا من داخل إمبراطورية إسلامية هي الخامسة في التاريخ. من جهة أخري نشر موقع ايكومنوميست: مقالاً يدعو الملكة للمطالبة بحقها بحكم المسلمين بعد دراسة أثبتت نسبها إلي الرسول صلي الله عليه وسلم.
7- قوله أن عبدالحليم غني " أبو عيون جريئة " للنبي.
هذا الكلام صائب لأن عبدالحليم غني للنبي صلي الله عليه وسلم بالفعل بكلمات أخري علي لحن أغنية أبوعيون جريئة.
وهذا موجود بالفعل ومسجل في تسجيل صوتي منشور علي اليوتيوب
كلماتها " روحوله وشاهدوا وباركوا وعاهدوا نبينا روحوله وشاهدوا.. وباركوا وعاهدوا وعاهدوا نبينا محمد نبينا .. روحوله المدينة ". فهذا أمر واقعي لا يصح أن ينكر بحال. فعبدالحليم غني أغنيته الشهيرة علي ألحان الأغنية التي مدح فيها النبي صلي الله عليه وسلم.!
وغناها نقلاً عنه الفنان مدحت صالح في لقاء تليفزيوني مسجل علي قناة cbc+2 مع الإعلامية لميس الحديدي وقال أنها من اختراع عبدالحليم حافظ. وكتب كلماتها أحمد علي أو علي أحمد ( تردد في الإسم ).
8- قوله أن شرب الماء بعد الذكر يطفئ حرارته في القلب.
ويمكن أن يستدل علي هذا الكلام بحديث فيه إشارة إلي معني قريب من هذا وهو حديث: " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله " فللذكر عند اشتداده أثر محسوس علي القلب والجوارج.
وليس هو أول من التفت إلي هذا الملمح والنكتة عن طريق التجربة، فقاله المليباري الشافعي من قبله في " كفاية الأتقياء " من قبله ما نصه : " فلذلك قال القوم: إن من الآداب المؤكدة للذكر عدم شرب الماء عقب التهليل أو أثناءه؛ لأن للذكر حرارة تجلب الأنوار والتجليات والواردات، وشرب الماء يطفئ تلك الحرارة، وأقله أن يصبر نحو نصف ساعة فلكية ... ".
والشعراني أيضاً في "الأنوار القدسية صـ 25" ما نصه: " الثالث: منع شربه الماء البارد عقيب الذكر فإن الذكر يورث حرقة وهيجاناً وشوقاً إلى المذكور الذي هو المطلوب الأعظم من الذكر، وشرب الماء يطفي تلك الحرارة.".
هذا لأن شرب الماء علي سخونة القلب والمعدة قد يكون له أثر سلبي لذلك يقول ابن القيم في " زاد المعاد ص 618 " ما نصه: " فإنه أسلم عاقبة، وآمن غائلة من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة، فإنه يخاف منه أن يطفى الحرارة الغريزية بشدة برده، وكثرة كميته، أو يضعفها فيؤدي ذلك إلي فساد مزاج المعدة والكبد، وإلي أمراض رديئة ... " وكل هذا يحصل عن طريق التجرية التي هي من مصادر المعرفة في الفكر الديني. وهي كما يعرفها العلماء: ملاحظة العالِم ظواهر طبيعية بشروط معينة بهيئتها بنفسه ليصل من ذلك إلى علم قضية أو قضايا تسمى بالمجربات ( الزنيدي: مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي ص 636 ) والمجربات هي القضايا التي يحتاج العقل في جزم الحكم بها إلى واسطة تكرار المشاهدة.
ويقول ابن تيمية: هي ما يختبره الإنسان بعقله وحسه وإن لم يكن من مقدوراته ... ذلك أن التجربة إنما تحصل بالنظر والاعتبار والتدبر وملاحظة تكرار اقتران السبب بالمسبب عنه (كتاب الرد على المنطقيين 92:95) ومن ذاق عرف كما يقولون!.
9- قوله أن صلاة الجمعة تجوز بداية من الساعة التاسعة صباحاً.
وفى إحدى خطبه، أباح الدكتور علي جمعة إقامة صلاة الجمعة قبل ميعادها بثلاث ساعات من صباح الجمعة، بحد أدنى الساعة التاسعة صباحًا، وما بعدها، حتى التوقيت المعروف للصلاة، وهى الفتوى التي جاءت بعد إقامة الصلاة بمطروح حيث كان يخطب، بحسب التوقيت المحلى لمدينة القاهرة أى قبل وقتها بربع ساعة. والحقيقة أن أهل العلم أختلفوا في حكم صلاة الجمعة قبل الزوال علي رأيين:
الأول وهو رأي الجمهور ( المالكية والشافعية والأحناف والظاهرية ) علي عدم جوازها قبل الزوال. ( فتح القدير 2/55) (الكافي 1/250) (المجموع 4/511) (المحلي 3/244)
الثاني وهو رأي الحنابلة وأبوبكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس ومعاوية، وجابر وسعد وعطاء واسحاق ومجاهد وسعيد بن سويد وعبدالله بن سلمة والشوكاني وحكي الزركشي إجماع الصحابة علي ذلك. علي جواز صلاة الجمعة قبل الزوال ( كشاف القناع 2/26) (المجموع 4/511) (شرح الزركشي 2/211)( المغني 2/210). وهذا من الخلاف الفقهي القديم السائغ، وقد ألف الدكتور صالح الصاهود الكويتي رسالة ( صلاة الجمعة قبل الزوال .. دراسة فقهية حديثية ) ذكر فيها نحو أكثر من ثلاثين دليلاً علي جواز صلاتها قبل الزوال فلتراجع. فلا يصح أن يوصف رأي كهذا بالشاذ.!
10- قوله أنه على الزوج الاتصال بزوجته قبل الذهاب للمنزل .. لعل معها رجل!
هذا الكلام قاله الشيخ وهو كلام مشهور ومعروف في كتب الأقدمين. وعليه أدلة كثيرة، منها حديث جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا. ( رواه البخاري) وفي رواية مسلم زيادة: " يتخونهم أو يتطلب عثراتهم " وقد علة هذا الحكم تنحصر في أمور كما قال الحافط في فتح الباري والشوكاني في نيل الأوطار:-
أ- إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما ، وقد أشار إلى ذلك بقوله في حديث جابر في البخاري أيضاً بقوله " كي تستحد المغيبة ، وتمتشط الشعثة ".
ب - وإما أن يجدها على حالة غير مرضية والشرع محرض على الستر وقد أشار إلى ذلك بقوله " أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم" وأيضا لما رواه عبدالرزاق في المصنف (9/494) عبد الرحمن بن حرملة ، قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعرس، أمر مناديا فنادى: لا تطرقوا النساء، قال : فتعجل رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلا , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال : قد " نهيتكم أن تطرقوا النساء بليل". وحديث أحمد في المسند وصححه أحمد شاكر:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل العقيق فنهى عن طروق النساء الليلة التي يأتي فيها فعصاه فتيان فكلاهما رأى ما يكره "
وحديث جابر أيضاً:- أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليها بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا. والأثر صحيح ( مستخرج أبي عوانة رقم 5954)( مساوئ الأخلاق للخرائطي رقم 806). وتعليقا علي هذا الحديث يقول الصنعاني في " سبل السلام 2/206": "وفي الحديث الحث على البعد عن تتبع عورات الأهل، والحث على ما يجلب التودد والتحاب بين الزوجين وعدم التعرض لما يوجب سوء الظن بالأهل، وبغيرهم أولى" وينقل السيوطي في اللمع القصة كاملة عن عبدالرزاق بسنده ص 66: " أن ابن رواحة كان في سرية، فقفل فأتى بيته متوشحا السيف، فإذا هو بالمصباح، فارتاب، فتسور، فإذا امرأته على سرير مضطجعة إلى جنبها فيما يرى رجلا ثائر شعر الرأس، فهم أن يضرب، ثم أدركه الورع فغمز امرأته فاستيقظت فقالت: وراك وراك قال: ويلك".
أما عن حديث لا ترد يد لامس الذي ذكره الشيخ علي جمعة في الفيديو .. اختلف العلماء في هذا مدي صحته، فصححه ابن حزم والنووي وابن حجر، وضعفه النسائي وأحمد وابن الجوزي وغيرهم. وما قال به الشيخ قال به عشرات العلماء قبله ولو وسع المقام لذكرت جلهم.
11- قوله أن الولي يمكن أن يزني.
نعم يجوز أن يزني الولي هذا نقله الإمام النووي في بستان العارفين عن القشيري والجنيد حيث يقول ص 66 ما نصه: " قال الإمام القشيري فإن قيل هل يكون الولي معصوما أم لا قلنا إما وجوبا كما يقال في حق الأنبياء وإما يكون محفوظا فلا يصر على الذنوب وإن حصلت هفوات في أوقات أو زلات فلا يمتنع ذلك في وصفهم. وقد قيل للجنيد العارف يزني؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: وكان أمر الله قدرا مقدورا" يقول الشاطبي في الإعتصام 1/367 تعليقاً علي قول الجنيد: " فكما يجوز على غيرهم المعاصي، فالابتداع وغيره كذلك يجوز عليهم .. " فيجوز وقوع الزنا من الولي من حيث القابلية للفعل والإمكان إذا قدَّر الله تعالى ذلك, وليس المعنى منصرفاً إلى كل ولىٍّ بل إن الله حفظ أغلب أوليائه من ذلك, ولكن لو شاء الله أن يقع من أحدهم من الذى يحول دونه؟! بل إن الصحابة علي كانوا أعظم قدراً وأجل ديانة جاز عند جماهير المسلمين أن تقع منهم المعصية بل الفاحشة من أفرادهم. والحفظ لجُلهم.ومن ذلك ما وقعت الفاحشة من سيدنا ماعزٍ الصحابى وتاب الله عليه وكان من الأولياء, ونهى النبى عن سبابه بعد رجمه وأخبر أنه تاب توبةً عظيمةً, ونعلم أن الله يتوب على من تاب, وأنه يقبل التوب ويغسل الحَوْب, والتوبة تَجُبُّ (أى: تمحو) ما قبلها من الفواحش والمعاصى بإجماع العلماء. فلماذا يستعجب البعض جواز وقوع ذلك من الولى كما أنه يجوز أن يقع من كل أحدٍ من المسلمين؟!! فإن الله تعالى يقلِّب القلوب أنَّى شاء. ومن ذلك أيضا المرأة الغامدَّية التى زنت وأقرت بالزنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطلب منها أن تذهب فتضع حملها, وجاءت بعد ذلك فطلب منها أن ترضعه, فأرضعته حولين ثم جاءت, فأمرها أن تدع ولدها عند من يرعاه من قرابتها, ففعلت, ثم جاءت فأقام عليها الحد. حتي إن سيدنا خالد سبها فقال النبى: "لا تسبها فإنها تابت توبةً لو وزِّعت على أهل الأرض لوسعتهم". فكانت من أصحاب الإيمان القوي حين طلبت أن يقام عليها الحد تكفيراً لذنبها وإبراءً لذمتها أمام الله تعالى؟ وقد تاب الله على الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو مع النبى صلى الله عليه وسلم, ومعلومٌ أن التخلف عن الغزو كبيرة. وقد يقول البعض كيف يزني الولي ويكون ولياً ومؤمناً والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: "ولا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن"؟ النفي في هذا الحديث إنما هو نفى لكمال الإيمان, وليس نفياً لمطلق الإيمان، فإيمانه ينقص نقصاً شديداً حين يفعل ذلك, لكن أصل الإيمان الذى هو الإيمان بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله موجود بقلبه, وإن تغافل عن مقتضى هذه الكلمة من البعد عن الطاعة والقرب من العصيان حينها! ولذلك أكّد النبى صلى الله عليه وسلم على دخول الزانى والسارق الجنة إذا كان من أهل لا إله إلا الله فقال أبو ذر الغفارى: وإن زنى وإن سرق؟! قال: "وإن زنى وإن سرق. رغم أنف أبى ذر" ويقول المناوي تعليقاً علي هذا الحديث في " فيض القدير 1/95": " فالكبائر لا تسلب الإيمان ولا تحبط الطاعة إذ لو كانت محبطة موازنة أو غيرها لزم أن لا تبقى لبعض الزناة أو السراق طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخول الجنة".
أما قوله نقلا عن سيدي المرسي ( الكريم إذا وهب ما سلب ) فكيف عصي الله وأجري علي يديه كرامات بعدها؟! وتحقيق الكلام أن حفظ الهبة ومنع السلب من العبد بعد عصيانه يأتي من طريقين:
الأول: أنه إن تاب وقبل الله توبته لا شك يحفظ عليه ما وهبه من الكرمات والفتوحات إن شاء الله تعالى, وإن لم يشأ فلا محجِّر على الله فى شىء لا فى الوهب ولا فى السلب. يقول الكلاباذي:" وهو مع هذا ليس بمعصوم من صغيرة ولا كبيرة، فإن وقع في أحديهما قارنته التوبة الخالصة ".
الثاني: أن يكون هذا من باب الإستدراج قال تعالي "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" الآية. مع العلم بأن الله تعالى قد يستدرج الواحد منا بما آتاه من الكرامات والنعم ويزيده فيها ويظن هو أنه على شىء, وهو ليس بشئ، فيكون ذلك من أشد المكر به من حيث لا يدرى.. يقول الكلاباذي: " الأولياء قد يخشى عليهم الفتنة مع عدم العصمة، والأنبياء لا يخشى عليهم الفتنة بها؛ لأنهم معصومون ... " فممن الممكن أن تكون الكرامة مع المعصية استدراج وفتنة.
فعلي هذا يجوز أن يكون هذا الولي قد تاب من وقته لمَّا رأى أن الله كشف ستره لإخوانه عقوبةً له فتاب لحينه, فأعاد الله عليه ما كان وهبه إياه من غير سلبٍ. فيصدق عليه أن الله إذا وهب ما سلب. ويجوز أنه يتب وفعل ما كان يفعله على سبيل الكرامة, فلم يسلبه الله ذلك الوهب ولكن هذا من مكر الله به. واستدراجه له. فإذا اختلفت الجهة والاعتبار فلا تناقض, فيكون ولىٌّ باعتبارٍ غير ولىٍّ باعتبارٍ آخر.
12- قوله بجواز إفطار المسافر للمصيف في رمضان.
هذا القول صحيح أصولياً لأن الله رخص الإفطار في حال السفر .. " فمن كان منكم مريضًا أو علي سفر فعدة من أيام أخر " الآية. فالسفر مطلقا مبيح للفطر عند الحنفية حتي وإن كان السفر لمعصية لأن الآية وردت بإطلاق. أما عند الشافعية والحنابلة وبعض المالكية فعندهم القاعدة تقول ( الرخص لا تناط بالمعاصي ) وفي شرحها يقول السيوطي في الأشباه والنظائر ص 139 ما نصه: " أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء، نظر في ذلك الشيء، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً، امتنع معه فعل الرخصة، وإلا فلا، وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه ... عاصٍ بالسفر: فالسفر نفسه معصية والرخصة منوطة به مع دوامه، ومعلقة ومترتبة عليه ترتب المسبب على السبب، فلا يباح ومن سافر مباحا، فشرب الخمر في سفره، فهو عاص فيه، أي مرتكب المعصية في السفر المباح; فنفس السفر: ليس معصية، ولا آثما به فتباح فيه الرخص; لأنها منوطة بالسفر وهو في نفسه مباح". فمن قال بجواز الأخذ بالرخص مطلقا مثل أبو حنيفة وأبو ثور والثوري وبعض المالكية جاز الإفطار ( بداية المجتهد 1/168) .. ومن قال بقاعدة ( الرخص لا تناط بالمعاصي) من المذاهب الثلاثة الأخري فرق بين المعصية في السفر والمعصية بالسفر. ( القواعد الفقهية ص 413) وقالوا أن الأولي يجوز فيها الرخص لأن السفر مباح لذاته كما في مسألتنا. ولا تجوز في الثانية، فالسفر للتنزه جائز لذاته حتي وإن وقع في حال التنزه محرمات فإنها لا تسقط رخصة الفطر كما تقدم. وإن كان الذهاب للتنزه في شهر الطاعات والعبادات أمر تمجه النفوس المتدينة فعلي اعتبار وقوعه فالفطر مباح علي أصول المذاهب الأربعة وإن كان خلاف الكمال والورع والفضيلة.
التعليقات