من الاية 172- 180 آل عمران

من الصحراء بعيدا عن ارض المعركة عالج الله سبحانه وتعالى عقائديا جمع المشاكل التي كانت سببا في خسارة معركة احد -- منها أولا--الذين انسحبوا من خطوط حماية مؤخرة الجيش – ثانيا--المقاتلون الذين انصرفوا عن قتال المشركين الى جمع الغنائم – ثالثا --المنافقون الذين تولوا يوم الزحف يوم التقى الجمعان – رابعا-- المنافقون الذين بقوا في المدينة ولم يخرجوا للقتال –بالإضافة الى ظهور الغل عند النبي بعد خسارة المعركة -- وموقف المنافقين المستهين في قتلى احد --لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل لله أموات --–محددا المكانة الدنيوية والأخروية لكل موقف تبلور أثناء المعركة –

قلنا في مقالة سابقة - وضع الله مقارنه بين خسارة قريش في معركة بدر وبين المؤمنين الذين خسروا معركة احد – كأنه يقول لهم -- لما خسرت قريش المعركة لم تيأس ولم تتوانى عن قتالكم مرة أخرى – أما انتم فقد أصابكم الإحباط --أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها – تعرض جيش المؤمنين المنهزم الى تهديد عسكري ومعنوي قبل وصوله الى المدينة – تمثل باستعداد قريش لشن حرب جديدة على ما بقي منهم– ولما سمع النبي بذلك على الفور وضع خطة عسكرية مستعجلة لصد الهجوم – مستدعيا المقالتين للاستعداد لمعركة جديدة – فالبعض منهم رفض المشاركة -- بينما البعض الأخر أبدى استعداده -- لذا أثنى الله على الذين استجابوا لنداء النبي – فقال --الذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ –فالمؤمن الحقيقي لا يتأثر بالتهديدات سواء ان كانت حقيقية أم كاذبة -- فالذين قالوا لهم الناس ان قريش قد جمعوا لكم فاخشوهم اي خافوا منهم لأنهم سيقضون عليكم ازدادوا إيمانا-- الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ –ازدادوا إيمانا وإصرارا وعزيمة على القتال – وقالوا -- حسبنا الله ونعم الوكيل -- فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ{172} الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173}

انطلق النبي والمستعدون للقتال الى ساحة تواجد جيش المشركين متحدين الإشاعات المثبطة والمخاوف العسكرية – فلما سمعوا بقدومهم أصابهم الرعب والخوف مما أدى الى انسحابهم عن المواجهة – فالمعركة لم تقع لان الطرف الآخر انسحب منها – فانقلب المؤمنون بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله -- والله ذو فضل عظيم -- فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ –يذكر الله سبحانه الأسباب الخفية التي جعلت قريش تبتعد عن المواجهة – فقص ما حصل عند الطرف الأخر أي قريش -- فبعد هزيمة المؤمنين في معركة احد قرر زعماء قريش اللحاق بهم للقضاء على ما بقي منهم – لكنهم تفاجئوا بالاستعدادات العسكرية للمواجهة - فبث الله الخوف والرعب بينهم -- فالشيطان سواء ان كان زعيم القبيلة أو القائد العسكري الذي قرر بملاحقة جيش المؤمنين هو من قرر الانسحاب من ارض المعركة -- فالشيطان هو المتحكم بأتباعه ففي المرة الأولى شجعهم على القتال – بينما وفي المرة الثانية شجعهم على الهزيمة – فالأجدر بالمؤمنين الذين خافوا من مواجهة قريش في المرة الثانية -- ان يخافوا الله ان كانوا مؤمنين فعلا -- إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ – رغم كل الانتقادات التي وجهها الله للمنافقين قبل المعركة وبعدها -- إلا أن البعض منهم لم يخرج عن دائرة الكفر-- فقال -- يا محمد لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا -- فربك واضعا للمنافين مصيرا مخزيا في الدنيا والآخرة – فقال-- وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ -- إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ -- وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ

فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ{174} إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{175} وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{176} إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{177} وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ{178}

مهما يتعرض المؤمن الى قمع واضطهاد وتعسف وهزائم في المعارك لكن في النهاية هي بصالحه ان صبر -- قليلا -- نعم هي في البداية أذى على الجميع -- ولكن ذلك سيكشف معادن المؤمنين فيتميز الخبيث من الطيب -- فخسارة معركة احد كشفت الكثير من خبايا المنافقين وأساليبهم – قال الله -- ما كان الله ليترك المؤمنين ما هم عليه من احباط بعد خسارة معركة احد حتى يميز الخبيث من الطيب – فالاختبار هدفه فضح المنافقين لتستقيم سبلهم ليوم القيامة -- مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ – ولو اطلع الله المؤمنين على غيب المعارك لما انكشف نفاق المنافقين – وما كان الله ليطلعكم على الغيب -- وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ -- ولكن يجتبي من رسله من يشاء -- فامنوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلكم اجر عظيم – فمثلما يجتبي الله الرسل من البشر في علمه الغيبي كذلك يجتبي المؤمنين الحقيقيين من خلال إدخالهم في اختبارات السراء والضراء لكشف معادنهم في ضل تحديات غيبية -- فما مطلوب من المؤمن في الوقت الراهن الإيمان بهذه المفردة العقائدية -- وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ --من خبايا المنافقين التي كشفتها معركة احد -- إعراض الأغنياء عن تقديم الدعم المالي لإدامة زخم المعركة -- وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ – فلا بد من انتقاد كي تستقيم سبلهم -- قال-- تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون بما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير-- وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ{179} وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{180}