ما يحصل في غزة والضفة الغربية هو جريمة منظمة بامتياز،  جريمة ابادة شعب وهو نتيجة تفكك الشارع الفلسطيني طيلة  السنوات الماضية، وما مخيمات لبنان إلا شاهد على ذلك.

اضف الى التخاذل العربي القديم الحديث وغياب الشرف العربي الرسمي، فكل هذه المظاهرات والاعتصامات  للأسف لن تؤدي الى نتيجة، لان الجريمة مرسومة وهم يشاركون في تنفيذ المرحلة الثانية منها.

الشهداء قوافل، والجرحى قوافل، والمفقودين قوافل، فيما الاعتصامات والمؤتمرات والخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع، أمام غطرسة كيان محتل غاضب مدعوم من قوى استعمارية، وللأسف الشديد منها عربية.

كل ما يحدث اليوم يشبه عبارة 'ايها الفقراء والجياع لقد بنينا الجوامع والكنائس كي نصلي لكم، فاشبعوا بطونكم من صلاتنا".

للأسف ليس هناك  تخطيط ولا إستراتيجية، فالشرف القومي والكرامة العربية اصبحت قضية بحاجة للبحث عنها تحت اقدام اسرائيل ويهود الشرق.

الاخطر القادم هو احتلال وتدمير الخليج العربي من  قبل اليهود الذين يبنون وطن جديد في الخليج، بعد اتفاقيات التطبيع التي وقعت على انقاض الطفل الفلسطيني.

الاخطر القادم هو تهجير سكان غزة، وطردهم من ارضهم، إرضاءاً لغرور اسرائيل، وتحقيقاً لمخطط اسرائيل الكبرى، وعملاً باحكام قانون القوة الخارقة التي يعتقد الكيان الصهيوني الغاصب أنه يمتلكها.

ورغم ان الصورة التي ترسمها المقاومة الاسلامية في فلسطين هي صورة عز وفخار، إلا ان الخوف يأتي من بعض العواصم العربية التي تجد في هذه المقاومة سداً منيعاً أمام السير في مخططاتها نحو تحقيق اهدافها المشتركة مع الكيان الغاصب.

لا أدري لماذا لا يتعلم الفلسطينيين من أخطاؤهم، ويستمرون في ارتكاب الأخطاء نفسها، وبالطريقة نفسها، وبالتالي يحصلون على النتيجة ذاتها، وأعظم خطأ يرتكبه الفلسطينيون نحن الفلسطينيين وما زالوا هو اعتمادهم على الحكومات العربية، وهو خطأ ما زالوا إلى اليوم يمارسونه.

كأن الفلسطينيون لا يعرفون مدى المشاكل والمآسي التي تعرضوا لها بالاعتماد على حكومات لا تعترف بالمبادئ أو القيم أو القضايا الوطنية، بل تعترف بشيء واحد الحفاظ على السلطة، مهما كان السبيل إلى ذلك، حتى لو دمرت شعوبها وحرقت أوطانها في سبيل ذلك، فكيف يتطلعون إليها في تحرير فلسطين ودحر اليهود من أرضهم.

"أنتم خونة، سيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين"، بهذه العبارة صرخ الشهيد عبدالقادر الحسيني في وجه مسؤول عربي في 1948، وللأسف الشديد حصل كما قال الشهيد عبد القادر الحسيني الذي استشهد بعد يومين من كلامه هذا في معركة القسطل.

ولا زال الشعب الفلسطيني يعيش النكبات والمآسي والاضطهاد والقمع والقتل وضم الأراضي بقوة السلاح أمام أنظار العرب والمسلمين والجامعة العربية القابعة في حفرة الضعف والفشل منذ نشأتها، وسيبقى الوضع على ما هو عليه، إلا إذا رص الفلسطينيون صفوفهم، وتعالوا على خلافاتهم، ونبذوا حكامهم ومسؤوليهم الذين باعوا القضية مثلهم مثل الحكومات العربية.

في مؤتمر الخرطوم 1967 تم الاعلان عن مبدأ «لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض» مع إسرائيل ولم يكن هذا الشعار القوي يعبر فعلا عن إرادة عربية جماعية بل كان يستعمل من أجل الاستهلاك السياسي لتخديرالشعوب العربية وخداعها.

في مؤتمر القمة في الرباط سنة 1971 كانت نقطة تحول جذرية خطيرة على القضية الفلسطينية يمكن اعتبارها بداية النكبة السياسية التي وصلت بها إلى ما هي عليه اليوم، ففيه بدأت التنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، فيه كان الإعلان عن تراجع سياسي كبير وخطير في تاريخ القضية الفلسطينية وهو اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بدلا من اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا.

إن السكوت والوقوف موقف المتفرج عما يجري في غزة واستجابة الدول والأنظمة العربية وغيرها للضغوط والتهديدات الأمريكية هو خيانة كبرى وخطيئة لا تغتفر.

ان عملية صناعة حكام عرب خونه هي عبارة عن مسلسل من سيناريو واخراج امريكي صهيوني، شملت شعوب الاقطار العربية، ولأنها لعبة خطيرة ولا تنطلي على خونة أذكياء، فقد ركزت الصهيونية الأمريكية على إختيار ابطالها الحكام العملاء من ذوي الثقافة السياسية والتاريخية الضحلة والفكر المحدود.

أمام ذلك وجد هؤلاء الحكام أنفسهم بالمحصلة يُنفذون سياسة إفشال دولهم وتحطيمها اقتصاديا واداريا وعسكريا وأمنيا وجاثمين تحت استمرارية الإبتزاز الصهيوني، وما أن تنتهي مهتهم يُرمَون رمي الكلاب الضالة.

أما صراع الأخوة فهو مصطلح يشير إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في صيف عام 2007م في الضفة الغربية وقطاع غزة، إحداهما تحت سيطرة حركة فتح في الضفة الغربية والأخرى تحت سيطرة حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006، ونشوء أزمة سياسية ارتبطت بعراقيل للانتقال السلمي للسلطة داخلية وخارجية، وخضوع أجهزة السلطة الفلسطينية للحزب الذي كان تقليديا ومنذ توقيع إتفاقية أوسلو فإن حركة فتح تمسك بزمام الحكم الذاتي الفلسطيني.

وعلى مدى عقود تتعرض حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة، لحرب استئصال مُمنهجة تقودها أمريكا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية التابعة لحركة فتح، بحيث تشترك هذه الأطراف مجتمعة في مهمة التنسيق الأمني اليومي من أجل اجتثاث الحركة وصوتها وأدوات عملها بالضفة، بدأ ذلك منذ اتفاقية أوسلو 1993 ووصل ذروته بعد الانقسام الفلسطيني.

وهنا استذكر ما قاله الشاعر العربي نزار قباني:

إياك أن تقرأ حرفا من كتابات العرب، فحربهم إشاعة، وسيفهم خشب، وعشقهم خيانة، ووعدهم كذب، إياك أن تسمع حرفا من خطابات العرب فكلها نحو وصرف وأدب، ليس في معاجم الأقوال قوم اسمهم عرب.

واستذكر ما قاله المخرج والكاتب السوري محمد الماغوط: لقد اتفق العرب على خيانة كل شيء.

واستذكر ما قاله جون هارينغتون:

 من المؤلم أن الخيانة التي تنجح لا يجرؤ أحد على تسميتها خيانة.

وأخيراً، يقول امل دنقل:

هل يصير دمي بين عينيك ماء؟ أتنسى ردائي الملطّخَ بالدماء؟، اتلبس فوق دمائي ثياباً مطرّزةً بالقصب؟ إنها الحربُ، قد تثقل القلب، لكن خلفك عار العرب لا تُصالح ولا تتوخَّ الهرب.