هل تعلم نوعيَّة من تتعامل معهم؟

هل فكرَّت يوماً ما بالذين تعاملت أو تتعامل معهم، تحت أيُ الأنواع هم يندرجون؟

وهل سبق وأن لاحظت أن غالبية التصورات والخلفيات، التي تكونت لديك عن بعض الأشخاص اتضح لك فيما بعد أنها مُغايرة، ومُختلفة تماماً؛ وذلك إما لتعاملك معهم لاحقاً، أو بسبب التواجد عن قُرب؟

وهل يا تُرى يوجد أشخاصاً ممن قد يندرجون تحت أكثر من نوع؟ هل حدث بأن صادفت في حياتك بعضاً من الأشخاص الذين مررت معهم بتجربة ما؛ ثم تفاجئت أنهم ليسوا الأشخاص من حيث تعاملهم فيما سبق؟

في هذا الموضوع سيكون حديثنا عن الأشخاص وذلك من حيث التعامل معهم ومن خلال المعاملة التي تأتي منهم لنا، أو تَصدُر منا لهم؛ وهذا الحديث لن يقتصر على زاوية محددة؛ ولن يكون ثابتاً على مِقْيَاس مُعَيَّن! أو من مِنظار يكون أُحاديُ الرؤية، وبالتأكيد فكذلك لن يشتمل أيضاً على فئة مُعينة. كذلك أيضاً ولن يكون مقصوراً على جُزئية مُعينة، أو عيِّنة مُحَددة.

وبالطبع فما تم ذكره آنفاً سيكون موضوعاً مهماً؛ خاصةً وأنه حَدَث فِطري، وعامل أساسي في عملية التواصل، وكذلك في عملية ومرحلة التعاطي في كل المجتمعات، وبين سائر الأفراد، وكذلك في مُختلف الجماعات، وفي كل الكيانات المتنوعة.

وحتى تكون النتائج سليمة، وناتج الأحكام ينبغي أن تُفترض عدالته، وهذا مشروطاً بالتأكد من استقامته؛ وحتى نستطيع الحصول على استقامته، ضرورياً أن يتم وضعه ابتداءً ووزنه على كِفَتَي ميزاناً واحد ومُحَدَّداً وصالحاً!

وسألتزم مع هذا الميزان مقياساً يكون مُؤشره ثابتاً، وصادقاً في جميع معطياته، وفي كل مرة؛ وذلك حتى نطمئن بأنه لن يتغيَّر، ولن يَتَبَدَّل، أو يضعف أثناء مراحل استخدامه من البداية وحتى النهاية.

وكذلك أيضاً لن يتزحزح تحت أي ظرف من الظروف، أو طقس من الطقوس. فأما من حيث المقياس الذي أتحدث عنه الآن، فسأعَرِّج عليه في اللآحِق، مع بيان وإيضاح لكل أدواته.

أما المقياس الذي سيُستَخْدَم كمُؤَشِّر، وكذلك الأدوات فهو الإنصاف، والبعد عن الإرجاف تماماً، والتخلي عن الإجحاف.

أما الأدوات التي سأعتمد عليها كلياً، مع ضمان عدم اللجوء إلى غيرها، أو الركون إلى ما يخالفها فهي كالتالي:

  • الأول:

المصداقية وتحرَّي الصدق. بالشفافية وبالموضُوعية.

  • الثاني:

الوضوح، والنقاء، والصفاء.

  • الثالث:

الحياد، وكذلك بالإضافة إلى التَجَرُّد، وعدم الإنحياز، أو المَيل، أو الإنقيادْ تَبعاً للأهواء؛ الذي يُنافي الموضوعية، وتصبح خانتها في خانة ومربع النقيض، ودائرة التضاد.

وأما المنهج الذي سأتَخذه مُنطَلقاً، والسير من خلاله، مع ملاحظة موافقته والحرص والتأكد بعدم مخالفته، منذ البداية وحتى النهاية. وهذا المنهج يتمحور كما في التالي:

أن كل نوع خَلُصْت إليه وتم تحديده؛ فإنه مُبنى على جميع الأشخاص من حيث معاملتهم والتعامل معهم فقط! دون النظر أو التطرُّق، ولا بمجرد الأخذ بعين الاعتبار لِذَواتهم أو لِشَخْصِهِم!

وأما مستويات العينات التي ستكون مُضَمَنَة في هذا الموضوع ستكون وفقاً للموضَح في التالي:

  1. المستوى الأول:

على مستوى الأسرة.

  1. المستوى الثاني:

على مستوى العائلة.

  1. المستوى الثالث:

على مستوى الأقرباء.

  1. المستوى الرابع:

على مستوى الأصدقاء.

  1. المستوى الخامس:

على مستوى الزملاء.

  1. المستوى السادس:

على مستوى العمل والوظيفة.

  1. المستوى السابع:

على مستوى المقر السكني ومُحيطه من الجيران، ومن هم في حكمهم.

توطِأة:

وبعد الخلاص والانتهاء من جميع ما تم ذكره في الأعلى، وكذلك الانتهاء من كل التطبيقات والمقارنات بالموازنة بين المعلومات التي تم قيدها، والملحوظات التي جُمعت، والفوارق بعد أن تم الأخذ بعين الاعتبار، بأن يُستبعد أي فوارق، وأي خوارق وما في حكمها! حتى لا تتأثر بها التجربة، أو تتسبب للعمل بأي انحراف، أو توجه.

كذلك وفي المقابل فقد كان التركيز على العوامل المُشتركة بين جميع الأشخاص وتضَمَنَتْها الطبيعة البشرية، ومما فُطِر عليه الناس، وجُبِلَت عليه البشرية. إضافةً إلى تفعيل الخبرة، وكذلك الإسقاط والتمثيل على بعضاً من المواقف والتجارب التي مررت بها؛ وهذا من باب التأكد والتوثق والمطابقة! وليس من باب اتخاذ النتائج وفرز الأحكام مُباشَرةً!

وفي نهاية الأمر وبالوصُول إلى سدة المطاف، فقد تم الانتهاء إلى النتائج التي سيكون من خلالها أنواع الأشخاص من حيث التعامل معهم، وأنهم يندرجون تحت الأنواع التالية:

1 . النوع الأول: الشخص الغامض:

فهذا تظن أنك قادر على معرفته! ثم تظن أنك قد عرفته! وفي الحقيقة أنك لم تعرفه! وكذلك أيضاً لن تستطيع معرفته! فهذا الشخص من الصعب أن ينكشف غموضه، أو تتضح رؤياه!

ويبقى هذا حاله؛ فهذا الصنف فإنه لا لون محدد له، ولا شكل ثابت عليه، ولا ملامح ترافقه، أو تبقى معه؛ وكذلك أيضاً لا تجد عنده هيئة، أو كذلك معالم صُورية؛ بالإمكان أن تتضح معالمها، مما يسهل تَذَكُرها فيما بعد.

2 . النوع الثاني: الشخص المُتَلوِّن "الذي له أكثر من لون" فَهو كالحرباء:

فهذا كُلما حاولت معرفته، لأجل أن تستطيع التعاطي معه، والتعامل بما يتناسب وبما يتوافق؛ لكن وفي نفس الوقت كلما أحرزت تقدماً في هذه المعرفة، ستتفاجىء، وسَيصدمك، تَغَيُّر لونه، وتَبَدُّل حَاله، وتَشَكُّل هيئته! ومع هذا تظن أنك ستبدأ من جديد؛ ولكنك لن تبدأ!

لماذا لن تبدأ؟ لأنه أصبح لوناً غير لونه الذي عرفته؛ وجميع محاولاتك وبدَاياتك ستبوء فشلاً! وطبعاً وبعد كل هذا ستُصاب بالذهول حتى الشعور بهول الصدمة وسبب هذه المضاعفات! وكذلك العقبات في عدم استطاعتك؛ بالرغم من محاولاتك.

يرجع مُسَوغات ذلك ومُسبباته، إلى ثلاثة أمور رئيسة كما في سيتضح في التالي:

  • الأمر الأول:

الجهد الذي بذلته سابقاً، حتى تراكم وأصبح لا يُنسى؛ وفي نفس الوقت تظن أنه قد يُؤتي ثِماره، أو قد يُستفاد منه يوماً ما؛ ولكن يا للأسف ويا للصدمة، كل ذلك التراكم والبُنيان، قد أصبح وفي لحظة وغمضة عين تَحَوَّل من بُنيان شاهق، إلى هباءً منثوراً وبناءً أصبح مهدوماً ولا أثر سوى رُكام من كومات التراب! ثم ذهب سُدى.

  • الأمر الثاني:

أن هذا الشخص وما يزيد من غُموضه، كَونه في حَال تَبدله، وتَغَيَّره، وتقمصه لِألواناً عديدة؛ إلا أنه وفي نفس الوقت وفي اللحظة ذاتها، لا يُعيد اللون الذي يستخدمه لحظة تقمصه وتلونه في كل مرَّة؛ وبنتيجة نهائية لا يُحتمل معها أيُ احتمالات نهائياً!

  • الأمر الثالث:

أنك تظن وفي كل مرة تُحاول فيها؛ بأنك سوف تنجح؛ هذا ماهُو إلا حديث نفس ولكن نتيجةً لهول الصدمة؛ لم يكن بمقدورك تحمل الصدمة وتبعاتها.

3 . النوع الثالث: الشخص الواضح:

فهو ذلك الشخص الذي يكون دائماً على حاله، وثابت على نهجه، ومُتمسك بمبدأه، ومهما حدث من حادث سواءً كان كبيراً، أو كان صغيراً، وكذلك تجده بنفس هيئته مهما حصل؛ وليس له سوى وجه واحد! وهذا الشخص يكون لديه مبدأ واضح في كل شيء! ففي كل معاملاته، ومع من حوله من الأشخاص جميعاًن وبِمُختلف مستوياتهم.

وكذلك تعاطيه للأمور، وتفاعُله مع الأحداث جميعها بالشفافية، وبالحِياد وكذلك أيضاً بالوُضوح. حيث أنه وعند أي تعامل معه، أو له فإنه لا يُقحم الذات، ولا يُشخصِن المسائل، ولا يُجَيير المواقف، ولا كذلك الأحداث، أو أي حدث صغير كان منها أو كبير؛ إما لِجلبٍ لمنفعة ما، أو لتحقيقٍ لِمصلحة ما؛ وكل هذا ودون أدنى شك يكون عن طريق التحايل وعن طريق التَّمايل، وكذلك عن طريق الغش، وأيضاً عن طريق التدليس، وعن طريق الكذب أيضاً.

بقلم: عبدالله بن سلمان السحاري