‫نقد وتقييم فيلم جوكر‬‎


التعليقات

الفيلم قد يعجبك أو لا يعجبك هذا أمر متعلق بالذوق والأذواق لا تناقش، ولكن فيلم فيه دقة صورية مهولة وجمالية وإجتهاد وأداء وتسلسل سردي وبناء عميق لشخصية معقدة نفسيا لاحظت انك قمت بالاشارة للنقاط الايجابية ف الفيلم اريد اضافة البعض لم تقم بالاشارة اليها :

من الصعب جدا أن تشاهد فيلم الجوكر متحررا من تفصيليين مهميين: حجم الإشادة التي رافقت عرضه وأداء هيث ليدجر لنفس الدور في فيلم فارس الظلام. يفتتح الفيلم وتسري الأحداث لتدرك أمرا مهما: الجوكر ليس فيلما عن الجوكر، هذه الشخصية الأيقونية التي تجسد لوحدها الشر في المخيال الجمعي ليست في الحقيقة سوى وعاء لمعالجة موضوع أهم وأكبر وأعقد: من أين يأتي كل هذا العنف في العالم؟

المساءلة التي رفعها المخرج تود فيليبس في فيلمه هذا تتجاوز جدلية الخير والشر وتلقي بنا في نقاش فلسفي مواكب لروح العصر القائمة على الفردانية كدعامة للحداثة، وتبث شكوكا عظيمة عن ما الذي يجعل بروس واين البطل باتمان وما الذي يجعل آرثر فليك المجرم البارد الجوكر.

ثنائية باتمان/الجوكر اللذان يجتمعان دائما في عالم الكوميكس بصفتهما متناقضيين داخل نفس المصفوفة دفعت هنا نحو أشدها بإقحام تفاصيل جديدة تظهر لأول مرة في قصة الشخصية، وتتركك تتساءل تلقائيا هل كان يمكن للأدوار أن تكون معكوسة في ظروف أخرى؟ والأسوء من ذلك هي أن هذه المقاربة تجعلك عاجزا عن الإجابة.

أعمق من ذلك، يعرف متابعي عالم باتمان أن هذه الشخصية تملك لحظة تأسيسية تعلن ميلاد البطل وسط الخراب، وهذه اللحظة هي لحظة إغتيال والديه أمامه وهو طفل صغير. المخرج تود فيليبس جعل من هذه اللحظة نتاج لفوضى مجتمعية أججها الجوكر الذي هو بدوره كان نتاج لفوضى مجتمعية أججها والد باتمان خالقا بذلك قوس سردي رائع يصف طريقة تشكل الثنائيات المتضادة وتتابعها المتلازم في سيرورة التاريخ.

الدوامة التي يخلقها العالم الحديث لا بداية لها ولا نهاية، والحكم الأخلاقي عنها شبه مستحيل في فيلم الجوكر، والقواعد التي أوجدت الحداثة هي نفسها القواعد التي توجد دمار الحداثة، فكل نجاح يقابله فشل، وكل ناجح يقابله فاشل، ولا أحد يتفهم أو يتعاطف مع الآخر، ولعل مشهد الميترو أصدق ما ينقل هذه العبثية التي تتيح لمن أنصفتهم الحياة السخرية ممن لم تفعل، وأقوى ما ينقل كيف يمكن لأي كان أن ينهار فجأة مهما بدا مقاوما وقويا ولا مباليا بالقواعد المفروضة عليه ومعايير النجاح وسبل نيل الإحترام في عالم لا يأبه بالضعفاء... والطامة مع هذا المشهد هي أنك كمتابع محايد له ستجد نفسك عاجزا أيضا عن الحكم عن ردة الفعل العنيفة التي تختتمه، لأنك وعكس المتنمرين في الميترو تعرف خلفية الشخصية ومسارها وطبيعة حياتها البائسة والظلم الذي تعرضت له، ثم تتساءل: هل يكفي أن نعرف مسارات الأشخاص لنتفهم أفعالهم؟

الفيلم وعكس ما يوحيه وصفه لا يبرر العنف ولا يحاول استعطاف المشاهد ولا يحاول تبرئة الجوكر، لكنه لا يدينه ولا يصلبه تاركا المجال واسعا لتوزيع مسؤولية إنهيار الإنسان على الجميع بما فيهم الجوكر، ورغم أنه أضاف بعدا جديدا في الشخصية بوصفها تعاني من خلل عضوي في الدماغ، إلا أنه جعله مدركا بالأمر ومن النادر أن تجد مختلا عقليا مدركا بأنه مختل وإلا فهو لم يفقد الصلة بالواقع بعد ولا يمكنه التحجج بالمرض لتبرير أفعاله. وبالعكس تماما فالجوكر في فيلم تود فيليبس هو شخص مدرك تماما بوضعه إمتلك الشجاعة لكي يصحح أكاذيب تربى عليها، لكن ما فعله خلال لحظة انتفاضة جعله يكتشف أن الهاوية تليق به أكثر من المقاومة. لماذا؟ لأن ذلك أسهل...

الجميع في فيلم الجوكر مذنب والجميع بريء، والشرير الوحيد في الفيلم هي عبثية الحياة في العالم الحديث التي أعطت للهمجية وجها جديدا يصعب التعرف عليه. الإعلام يتنمر بغرباء الأطوار لأن الجمهور يحب ذلك، والناجحون يسخرون من الفاشلين لأنهم يعتقدون أنهم مسؤولون عن فشلهم، والمهزومون ينتقمون من الناجحين لأن ذلك أسهل من مواجهة أنفسهم، والمعايير التي تفرض على الأقوى يلزم بها الجميع دون مراعاة لقدرة كل فرد على المقاومة.

فيلم الجوكر كابوس يلخص فوضى العصر الحديث التي لا ينتبه إليها أحد، كثافة رهيبة ملخصة في وقت وجيز تنتهي بمشهد فظيع لرجل عاش على الهامش غير مرئي لا أحد يكترث له، تأنق ليمنح العالم موته على طبق ثم قرر أن يقتل الجميع بدل ذلك لعلهم يلاحظون وجوده... العنف لا يولد سوى العنف...

ايضا نسيت بعض النقاط

كالصورة في السينما هي الأسلوب، وهي تمرر المعاني بطريقة لاواعية لا تدركها مباشرة كالمعنى المقروء مثلا، لكن الترجمة التي يقدمها عقلك لها إيحائيا هي ما تجعلك تلتقط المعنى دون حتى أن تدرك ذلك. مشهد السلالم في فيلم الجوكر مثال جيد عن ذلك.

في بداية الفيلم تظهر السلالم بشكل باهت، ألوان آفلة، إضاءة هافتة تمتزج مع حلول الظلام، والجوكر يبدو منحنيا، مرهقا من هذه السلالم التي تمتد على مد البصر لتزيد من الإحساس بالتعب وصعوبة تخطيها. المشهد نفسه يضع الكاميرا أسفل السلالم لتبدو كاملة الطول، بعيدة النهاية، ويضع الجوكر كتفصيل داخلها إلى درجة أنه يصبح أصغر منها.

الأثر النفسي عليك مباشرة هو الإحساس بالجهد الذي يتكبده الجوكر يوميا في طريقه للعودة من يوم شاق، والمعنى هنا هو أن طريق الصعود صعب وطويل ومحفوف بالعراقيل...

نفس السلالم بعد تسلسل الأحداث، الجوكر تحرر، جسده منتصب وحركاته شاعرية، الألوان باهية والإضاءة قوية، السلالم الآن معزولة في الصورة وهي الآن التفصيل بينما الجوكر هو البارز في المشهد. النزول أسهل ويتم من خلال حركات الرقص بكل أريحية.

الأثر النفسي عليك هو مرافقة الجوكر خلال تحرره وتحول شخصيته، ولكن أيضا مرافقته وهو ينزل، ينحدر نحو الحضيض. والمعنى هنا هو أن طريق الإنحدار سهلة ومليئة بالمغريات...

كما ايضا القمامة عنصر رئيسي في الديكور العام لفيلم الجوكر، لا تكاد تظهر المدينة دون شوارع مليئة بالقمامة، وتتسبب حتى في غزو لجرذان عملاقة. القمامة تعني فشل الدولة، وهي نظير الجوكر في الفيلم، لا أحد ينتبه إليها رغم أنها حاضرة، عندما تلاحظها ستلاحظها لكنك ستمر عليها مرور الكرام، لأنك مع مرور الوقت ستتعود عليها وتصبح جزء طبيعي من الديكور. القمامة هي ما يتبقى بعد أن تنتهي الفائدة منه، ثم يرمى للشارع، ويصبح مسؤولية لا أحد...

نقطة اعجبتني و هي صوتك رغما اني اعاني من مشكلة السمع فهمت كل ما قلته في الفيديو بسهولة

لست صاحب الفيديو و لا أملك قناة في يوتيوب. أنا مجرد ناقل. صاحب القناة اسمه أحمد الكيال. يظهر بهيئته في بعض المقاطع منها هذا المقطع.

لا اعرف صاحب الفيديو فقط قمت بالتعليق على بعض الاضافات التي لم يشير اليها شاهدت الفيلم خمسة مرات تحفة فنية


أفلام وسينما

كل ما يخص عالم الأفلام والسينما وأخبارهما سواءً العربية أو الأجنبية.

65.7 ألف متابع