سنة 2007، كتبت موضوعا تحت عنوان: اللغة الفرنسية، شبح يطارد الطالب في نظام التعليم المغربي. يمكن الاطلاع على الموضوع عبر الرابط:

من بين النقاط التي تحدثت عنها وقتها فيه، موقف حدث أثناء إحدى المحاضرات بالجامعة، حين دخل الأستاذ المحاضر، وبدأ يتحدث إلينا بلغة عربية فصحى، ردود فعل الطلبة انتقلت من المفاجأة ومحاولة استيعاب الأمر، إلى السخرية والضحكات المكتومة. لهذا الحد كان الحديث باللغة العربية الفصحى يومها مُستغربا منا كطلبة آذانهم دُمغت بالفرنكفونية.. لا أنكر أني يومها أيضا كنت من بين المستغربين، لكن بجانب استغرابي من ما أسمعه من الأستاذ، استغربت أيضا بل هالتني ردة فعلي وردة فعل زملائي.

بعد مرور سنوات على هذا الموقف، تغيرت أمور عديدة في بلدي المغرب فيما يخص صراع اللغات، صراع لا أعرف من الرابح فيه، لكني متأكدة ان الخاسر الوحيد هو الجيل الصاعد، مشتت الهوية، وغالبا لا هو يتقن فرنسية ولا عربية ، كلمة من هنا وكلمة من هناك.

تغيرت ظروفي أيضا وأصبحت أما وأربي أطفالا هم الجيل الصاعد. من الأشياء التي كنت أحاول ضمانها أثناء نمو أطفالي أن تتعرض آذانهم للغتهم العربية الفصحى أكثر من تعرضها ﻷية لغة أخرى، الرسوم التي أسمح لهم بمشاهدتها رسوم مختارة بلغة عربية فصحى، وهذا خلاف المعمول به حاليا من أغلب أبناء جيلي، حيث وللأسف أصبح الجميع يحاول أن يجعل طفله متحدثا بارعا بلغة المستعمر، وكم ستكون الفرحة كبيرة إن كانت أول كلمة ينطقها الطفل كلمة فرنسية، يا له من إنجاز! شيء مؤسف حقا..

محاولتي لجعل آذان أطفالي آذان عربية فصحية، دعمتها بدمج الفصحى في لغة الخطاب بالمنزل، واستخدام كلمات عربية فصيحة عوض استخدام الكلمات الأجنبية المندسة في لهجتنا اليومية، وأحيانا حتى عوض كلمة من اللهجة المغربية، حتى وإن كان التغيير في حالات معينة هو تغيير في تشكيل الكلمة و طريقة نطقها.

كأمثلة، في لهجتنا المحلية شمال المغرب، نسمي الحصان، 'كابايو" وهي ترجمة الحصان بالاسبانية، إن رأى أطفالي حصانا..سينادونه حصان.

الحافلة باللهجة المحلية هي: "الطْرامْبِيا"، الأصل إسباني، أطفالي يسمونها حافلة.

القمر، ننطقه باللهجة المغربية: قْمَرْ ، أطفالي ينطقنون الكملة: قَمرٌ أو قَمَرْ. الكأْس باللهجة المغربية : كَاسْ، أطفالي ينطقونه بالفصحى كَأْسْ.

الأسد باللهجة المغربية: سْبَعْ، أطفالي يسمونه بالفصحى أسد

لم أغير بالتأكيد كل الكلمات الأجنبية الدخيلة في لهجتنا لكثرتها، لكن غيرت نسبة كبيرة منها واستبدلتها بكلمات من الفصحى. استخدام أطفالي للفصحى بالنسبة لي عز الطلب، لكن الأمر يبدو مستغربا في المجتمع، وغالبا نظرات الاستغراب تلاحقهم إن تحدثوا في مكان عام.

في المساحات المخصصة للعب الأطفال، أجد الآباء المغاربة يخاطبون أولادهم بالفرنسية، مع كونها حرية شخصية، لا يمكنني منع نفسي من التفكير.. لو أكملتِ الأمر وسميته "جاك" بدل عبد القادر، ربما عليك لصق عدسات زرقاء في عينيه وصبغ شعره بالأصفر، هكذا ربما تصبح الصورة متوازنة أكثر وترتاحين بعد تخلصك من أي علامة قد تدل على هويتك وهويته التي من الواضح عدم تقبلك أو ربما احتقارك لها.

هؤلاء الآباء ينظرون لأطفالي باستغراب، قد تجد أجانب"فرنسيين حقيقيين" في نفس المكان، ينظرون للآباء المغاربة باستغراب، غير مفهوم بالنسبة لهم سبب محاولة تقمص الهوية والتمثيلية السخيفة التي يشاهدونها.

لا تفهم من كلامي أني ضد تعلم اللغات، بالعكس، أنا فقط ضد ضياع الهوية.

هذا حال الفحصى في المغرب- من الزاوية التي انظر منها- ما حال الفصحى في بلدك أنت؟ ما الذي سيكون مستغربا في بلدك؟ أن تتحدث لغة أجنبية في مكان عام؟ أو تتحدث بالفحصى؟