عندما بلغت 18 من عمري، لم تكن لدي أي فكرة عماذا أريد أن أكون، كنت بصدد مغادرة المنزل ودخول الجامعة، الشيء الوحيد الذي كنت متأكدًا منه أن مسقبلي غير مؤكّد،غامض ومبهم.

قبل مغادرتي، حاولت التّغلب على قلقي بطرق عدّة. قرأت كل ما أمكنني أن أضع يدي عليه مما رأيت أن له صِلةً بتخصصي الجامعي، كان مزيجًا من التجارة والهندسة. حضّرت لدوراتي مقدّمًا. بحثت عن الإطمئنان من الآخرين، أردت التّأكد أنني أحسنت اختيار الكلية.

وفي الأخير، أكثر ما ساعدني كان عملًا يمكنك إدراجه تحت عنوان “سذاجة الشباب”. أحضرت ورقة وبدأت تدوين ما أطلقت عليه " مبادئى الثلاثين التوجيهية " كانت معظمها بسيطة للغاية، مثل: “أترك ما يجب أن يترك”، “بسّط الأمور”، “لاتحظى بأسرار”. لا أزال أحتفظ بالقائمة، إنها على لوحة " Pinboard " خاصتي. أنا أنظر إليها الآن في هاته اللحظة. إذًا لماذا كنت ساذجا لإنشاء هذه القائمة ؟

قبل كل شيء، لم أكن أعلم أن ما توصّلت إليه لم يكن في الواقع مبادىء ! بل كانت مجرد قواعد !

الفرق بين القاعدة والمبدأ هي أنه أحدهما هي مجرد توجيهات يتبعها الآخر. المبادىء لا تكسر. إنها شاملة دون استثناء. فالجاذبية مبدأ. سواءا أكنت أنت من سقطت من فوق ناطحة السحاب، قطّتك, أو مزهرية من القرن السابع عشر، لن ينتهيَ الأمر بشكل جيد. الجاذبية ليس لديها استثناءات!

من أجل التعامل مع المبادىء، لدينا قواعد. “لا تقفز من على ناطحة سحاب” هي قاعدة وهي جيدة في ذلك. على عكس المبادىء، القواعد تُكسر طوال الوقت، غالبا نحن من نقوم بكسرها وغالبا قبل أوانها (نعم للقاعدة وقت محدد تُكسر فيه).

في النهاية، مهما كانت القاعدة جيدة ستُكسر وتنتهي صلاحيتها إنه جزء من تصميمها، بمجرد أنها لن تؤّدي مهمتها فقَدرُها بأن تُكسر. “لا تسرع أكثر من 30 ميل في الساعة” تعتبر قاعدة. إنها مفيدة على الطرقات السيئة والوَعِرة لكن بمجرد أن تبلغ الطريق السريع يجب تحديث تلك القاعدة !

السبب الثاني الذي يجعل قائمتي سابقةً لأوانها هو أنّه خلال العشر سنوات منذ كتابتي لها، كسرت قواعدي واحدة تلو الأخرى، ولحد الآن أنا مسرورُ أنّي كتبت تلك القائمة، هل تعلم لماذا ؟ لأنّ فكرة أنني أردت العيش ببعض القواعد، بدلا من جهل أيّهم أو كيف أو لماذا ،كانت كافية !

لم أهتم بكون القائمة كانت اعتباطية وعشوائبة، ما يهم أنّها وضعتني في طريقٍ أبحث فيه عن القواعد والمبادئ في كل مكان، تعلُّمَ تمييز الفرق، والمواصلة في بناء حياتي حولهم أينما ذهبت.

اليوم، ما أنا أهتم به حقًا ليس المبادئ ولا حتى القواعد، ولكن ما بينهما.

هذا واحد من الدروس التي تعلمتها طول الطريق:

كل قاعدة لديها دورة حياة، وتلك الدورة يمكنها أن تتكرر عدّة مرّات في حياة واحدة. إذًا وبطريقة ما إذا ظلّت القاعدة تعيد نفسها وتثبت نفسها كذات نفع وتُخلّفُ الألم و الضُّرَ إذا تم كسرها، فتلك القاعدة ما تجذبني وتأسُرُني !

فقد وسّعت هاته القواعد من صلاحياتها وبالتالي نجدها تموضعت بين القواعد العادية والطّبقة الأساسية من المبادئ. أظن أنه يمكننا دعوتها بـ” القواعد الجوهرية “. ومثلما تعتقد من الصّعب الوصول إليها.

ولحسن الحظّ وجدت بعضها :

القواعد الجوهرية السبع للحياة

سنة 1995 أصدر ستوديو غيبلي وهو شركة أنيميشن يابانية، فيلمَا بعنوان “همسات القلب “، يتناول فيه جامعيين اثنين يكافحان مع شغفهم الفنّي، مشاعرهما تجاه الطرف الآخر، ومرحلة البلوغ.

قبل عقد من الزمن، إستخرج أحدهم سبعة قواعد من الفيلم ونشرهم على النت. المصدر الأصلي لايزال ضائعا، لكن من ذلك الحين وهاته القواعد تجول النت.

مثل قواعدي الخاصة، تبدو بسيطة نوعا ما، ولكنّها أقرب بكثير من المبادئ الخالدة. لذلك مهما تكون، وأينما تقبع : شكرًا لك.

شكرا لك لمنحنا ... القواعد الجوهرية السبع للحياة.

1. تصالح مع ماضيك لكي لا يعبث بحاضرك.

قال بيل غيتس ذات يوم أن أسوء يوم في حياته هو يوم وفاة والدته. إنّ ذلك ببساطة يذكّرنا جميعًا أننا نملك النّدم.

جميعا نحتفظ بنسختنا القديمة من أنفسنا في حجرة في مكان ما، وكل مرّة نعيد فتحها، نشعر بالألم والمعاناة. لا يمكننا تغيير الأشخاص الذين عرفناهم من قبل، لكن يمكننا التصالح معهم. إفتح تلك الحجرة ودع القليل من النور يتسرّب. تصالح ! غيرَ ذلك، سيكون دائما ماضينا عبئا يثقل كاهلنا.

الحياة ليست سوى سلسلة من اللّحظات العابرة، واحدةً تلو الأخرى إلى الأبد. إعمل واصنع الفارق، المكان الوحيد الذي يمكنك العيش فيه هو الحاضر. اليوم !

2. الوقت يشفي كل شيء، إذًا امنحه الوقت.

أحيانًا لاتملك القدرة للتّحرك فورًا. أحيانًا، تود حقا ضرب نفسك. ذلك أيضًا جزء من الحياة. ما يمكنك فعله هو ترك الوقت يمر.

أنا أعلم، تريد فقط إصلاح كل شيئ والتّقدم للأمام، لكن إذا خِطْت الجُرح بطريقةٍ سيئة، ستسوء الأمور أكثر على طول الطريق. لذلك خذ وقتك. اهتم بنفسك. صحتك. قلبك المكسور والأجزاء المكسورة.

أحيانًا، حتى ما يُشفى يترك ندبة. هؤلاء سيكونوا معنا إلى الأبد. كلّ ما يمكننا فعله هو تركهم يتعافون كما ينبغي.

3. مايعتقده الناس حولك ليس من شأنك.

معظم ندوبنا تأتي من جروح الآخرين. الكلمات يمكن أن تؤلمنا أكثر من الأسلحة. لكن ليس من عملك أن تتخيّل أيّ سهم يصوّبه عليك الناس بداخل رؤوسهم. فالغالبية لن تطلق أبدًا.

4. لا تقارن حياتك بالآخرين، ولا تحاسبهم.

يقول مارك توين: ” المقارنة هي نهاية السعادة. ” الأسوأ هي أنها " ولادة التعاسة والشقاء ". كلما قلّت المقارنة كلما زادت قدرتك على الشعور بالآخر. تعرّف على الأشخاص وفق شروطهم الخاصّة. لا تشكك في نفسك إلى ذلك القدْر. وكن أقل رُضوخًا للغيرة، التي ستقودك الى الخوف، الغضب، الكُرْه، والمعاناة.

5. توقف عن التفكير كثيرًا، لا بأس إن لم تعرف الإجابة.

إذا لم يكن من المفترض أن تفكر في الآخرين، ولا بماذا يفكرون، فما المفترض أن تفكّر فيه؟ في الحقيقة، لا بأس بعدم التفكير كثيرًا على الإطلاق. الأجوبة غالبًا ما تأتي إليك عندما لا تتوقعها.

إتخد قراراتك. إختر طريقًا. كن مصمّما. ملتزما. لكن بمجرد الإنتهاء، دع الأمور في مجراها. ستعرف متى تتّخذ القرار الصحيح خلال الطريق.

6. لا أحد مسؤول عن سعادتك، ماعداك أنت.

في نهاية اليوم، ماترغب به في الحياة، فقط أنت من يمكنك أن تعطيه لنفسك. لديك مسبقا كل شيئ. هناك بالداخل. أحْسِسْ بقلبك. ضع يدك على صدرك. هناك. نعم هناك حيث تكمن السعادة.

نضيّع كل هذا الوقت في البحث عن شيء لا نراه، لأنه غير موجود أصلًا. العالم الخارجي إنه فقط جيّد بما ستفعله مع كل شيئ يحدث فيه. هل تصقل تجاربك ؟ تعلّقت بهم ؟

إذا لا، ليس الوقود أو الأكسيجين ما ينقصك. فقط أنت من يمكنه اعادة اشعال تلك النار لأن الباقي عميقًا بداخلك. قَرّر إيقاد تلك الشعلة. إحمها. إرفع نورها، ودعها تشرق ليراها الجميع.

7. إبتسم، فأنت لا تملك كل مشاكل العالم.

ديواين “ ذي روك “ جونسون لديه أكثر من 160 مليون متابع حول العالم. حصل على العديد من الرسائل. ولكن لا شيء مثل هالي هاربوتل.

هالي لديها "متلازمة موبيوس." تبلغ 22 عاما. لم تبتسم أبدا طوال حياتها. كان من المفترض أن تحصل هالي على “ جراحة إبتسامة “ ، لكن جراح التخدير إرتكب خطأً كاد أن يودي بحياتها. قريبا، ستعيد المحاولة، على أمل الإبتسامة لأول مرّة.

يوجد هناك من يموت حرفيا للإبتسام. مع ذلك ها نحن ذا، أنت وأنا، نتجوّل في الأرجاء، غالبا ما نختار عدم نشر هذه النعمة.

مهما كانت المشاكل التي تعاني منها خلال حياتك اليومية، فمن المحتمل أنها ليست بتلك الأهمية. لكل منّا تحدّياته الخاصّة، لكن بما أنك تستطيع الإبتسام، قم بذلك، من يعلم من سَتُعدِي.

الهدف الحقيقي من وراء القواعد والمبادئ

هنا شيئ آخر تعلّمته حول القواعد والمبادئ : العديد من القواعد يمكن أن تُستَنبطَ من مبدأ واحد، لكن لا يمكنك أبدًا العمل بمبدأ وحِيد.

“ الصّداقة مبنية على الوفاء “ إنه مبدأ يمكن أن تطمح للعيش به، لكن من دون القاعدة “ أنا لن أترك أصدقائي حتى آخر رمق “، لن يعني ذلك شيئًا.

عندما كنت في 18 من عمري، اعتقدت أنّ بإمكاني كبح فوضى العالم ببضع قواعد مرشدة مُختارة بعناية. كنت مُخطئا، لكن خطوت خطوة نحو الإتجاه الصحيح : لا يمكننا أبدا التحكم في العالم، ولكن التّعلم كيف نتحكم في أنفسنا، يمكننا أن نصبح أفضل بالتعامل مع هاته الحقيقة. الهيكل ليس شيئًا يمكن عرضه من الخارج، لكن إذا صقلناه داخليًا، سنكون مستعدّين لإحداث تغيير عند الحاجة لذلك.

هذا ما علّمني إياه وضع القواعد واكتشاف المبادئ :

تعلم كيفية العيش هو عملية مستمرة. هناك دائما قواعد في حاجة للتّحديث، مبادئ في حاجة للفهم بشكلٍ أفضل، أفكارٌ جديدة لِتُضَافَ للحقائق القديمة.

لقد قرّرنا من نحن في هذا العالم ليس لمرة واحدة بل لكل فعل نتخذه، كل مبدأ نُقَدّره، وكل قاعدة نختار اتّباعها. ذلك هو الهدف الحقيقي: لخدمتنا في سعينا الحثيث الأبدي أن نكون.

لا أعلم كم ستستمر معك القواعد من الفيلم في هاته المهمة الغير منتهية، لكن كواحد من شخصياتها أود أن أذكرك:

“ أنت رائع. ليس هناك داع للإندفاع والهرولة، خذ وقتك.“

ترجمة لمقال : Nicklas Goke

المصدر: