تخيل معي أنك تركت كاميرا بمواصفات عالية ومزودة بذكاء اصطناعي يحاول التعرف على كل ماتقع عينه عليه - تركت هذه الكاميرا مفتوحة في أكثر شوارع المدينة اكتضاضاً لتشاهد كل الاحداث المتنوعة بتفاصيلها المختلفة .. وبامكانك ان ترى على شاشة هذه الكاميرا مربعاً تعريفياً يتنقل بين الوجوه المختلفة ويستعرض بيانات متعلقة بها، هناك خلل واحد فقط وهو أن الكاميرا بها عطل ما في وظيفتها الاساسية "التقاط الصورة" .. هذه الكاميرا عشوائية فيما تلتقطه وعلى أفضل تقدير .. انتقائية فيما تلتقطه.

هذا هو باختصار اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، اضطراب في مادة الدوبامين في الدماغ تتسبب بمشاكل متعددة في الانتباه وكبح الذات والانفعالية وفقدان الدافعية.

خلل في الوظائف التنفيذية: 

قشرة الفص الجبهي من الدماغ هو تقريباً الجزء الذي يجعلنا بشراً ويفرقنا عن بقية الكائنات وتحدث فيه عمليات التحكم بالذات والادارة الذاتية. مثل التخطيط .. التحكم بالاندفاعات، التفكير بالمستقبل وبناء الحاضر وفقه، التنظيم .. والانتباه والتفاعل مع الذاكرة الحية والتحفيز وغيرها.

المصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه لديه خلل في كل هذه الأمور للأسف والتي تؤدي معاً لمشاكل جادة في الحياة من أول المشاكل الاسرية ومشاكل الزواج وتربية الابناء مروراً بمشاكل العمل والعلاقات العامة وحتى المشاكل القانونية .

3 أنواع من فرط الحركة وتشتت الانتباه: 

تشتت انتباه: هنا المصاب يتشتت انتباهه بسهولة وذاكرته الحية لاتتحمل الكثير لذا تجده كثير النسيان، واي تدخل ينسيه الامر الذي قبله ولايتمكن من ايلاء الكثير من الانتباه لاي شيء ممل لديه ضعف في التحفيز الذاتي ولاشيء اعتيادي يثير اهتمامه.. كثير السرحان ولديه عالمه الخاص وكثيراً مايناديه الناس ليعود لكوكب الارض.

هي تلك الفتاة الحالمة .. وذلك الصديق الذي يبدو أن دماغه فارغة إلا من بضعة أشياء يحبها.

فرط حركة: من الصعب ان يجلس بمكان واحد فترات طويلة، واذا أجبر على ذلك يتململ كثيراً، فرط الحركة في الكِبر يتحول إلى افكار كثيرة في الرأس وقلق، يقاطع الاخرين كثيراً لان لديه افكارا اسرع مما يتحدثون وتجده يميل للثرثرة، اندفاعي .. وضبط الانفعالات لديه تحدي حقيقي.

هي تلك الفتاة كثيرة المشاكل التي لاتدري من أين تقع المشاكل على رأسها حتى حين تتجنبها وتبحث دوما عن الشيء المسلي التالي او طلباتها كثيرة لان لاشيء كفاية حقا بالنسبة لها، وذلك الفتى الغشيم الذي ينفعل كثيرا ويعشق المشاركة في مختلف الرياضات ويتنقل من هواية لاخرى ومن اهتمام لآخر دون ان يستقر او يستمر على شيء.

الاثنان معاً: كوكتيل رائع بين الحالتين :) وهذا أنا وسأسرد لكم قصتي في المساهمة القادمة.

رأيي في المرض : 

ههه رأيي في المرض وكأنه فلم أقوم بتقييمه لول، أحاول هنا ان أطرح بعض النقاط حول المرض مصحوبة بوجهة نظري في المرض وآثاره على الفرد والمجتمع. 

أولاً هذا المرض لاعلاقة له بتربية الأهل أو بما عودوا عليه أبناءهم -كما يحلو للكثيرين ان يفكروا - بل هو جيني وراثي، اذا عانى منه أحد الوالدين فإن 45-50% من الابناء سيعانون منه، وهذه النقطة مهمة لأن الامهات في صغر الطفل الذي يعاني من هذا المرض يتعبون بالفعل في التعامل مع الطفل اساساً والمجتمع والمدرسة و "الله يعينك" المتعَبة من الجميع تزيد الامور عليها. 

ثانياً، المرض ليس متعلقاً بالاطفال فقط بل هو يستمر في اغلب الحالات إلى سن الرشد وبعده، وهذه نقطة مهمة، لان اعتبار المرض خاصا بالاطفال فقط يعني ان نغض الطرف عن الآثار المدمرة للمرض عند البالغين اذا لم يتم التعامل معه وعلاجه والتوعية به.

المصابون بفرط الحركة وتشتت الانتباه حياتهم ملئى بالخسارة، انهم عرضة أكثر للانفصال وخسارة الاصدقاء وعرضة أكثر للطرد من عملهم، وعرضة لخسارة فرص مهمة كانت لتحسن حياتهم بسبب اندفاعيتهم، أنهم عرضة أكثر للإدمان، والقلق والاكتئاب، و .. مهلاً مهلاً ياساتر الموضوع أخذ منحنى سوداوياً جداً =) .. هذه الامور على صحتها لاتنفي انهم اشخاص مسلون .. حساسون .. مبدعون وبارعون فيما يحبونه.. لديهم حس فكاهة عالٍ .. وشركاء يسعون لارضاء من يحبونه، وهناك مهارة على وجه التحديد يتميزون بها وهي الـ hyperfocus او التركيز الشديد على ماينال انتباههم لساعات طويلة لدرجة أنهم ينسون الأكل والشرب.

لهذا من المهم أن يتلقى المصاب باضطراب (أفتا) المساعدة والعلاج اللازم ليصل إلى أفضل نسخة ممكنة من نفسه، ويتفادى الخسائر الحياتية الصعبة والمرهقة المصاحبة لهذا المرض. 

في هذه السلسلة سأقوم بالتوعية بالمرض وتجربتي الشخصية فيه، عل هذه المواضيع تقع في يد شخصٍ ما فيجد نفسه فيها ويتثقف أكثر أو يستشف الأعراض في صديق أو أخ فيساعده ويوعيه.