أحم، مجتمع تسلية، أنظر، مجتمع تسلية.
المتأمل لحياة الأقوام الأولى يجد للمرأة مكانة عظيمة، سواء في الدين "عشتار وإيزيس وتعامة" وسواء في المجتمعات، حيث تولت منصب الملكة مرات عديدة قبل الاسلام وبعده، وكان لها حريات مستقلة عن زوجها، وفي الحقيقة وصلت في المجتمع المصري لمكانة عظيمة إنحطت على أيدينا كمصريين، ولم ينساها حمورابي حيث قال "لو رجل ضرب إمرأه حامل و بسبب ضربه لها مات الجنين فى بطنها, تقتل بنت الرجل اللى ضرب كتخليص لنار الامرأة الحامل"، وفي الحقيقة لا يخفى عليكم إعتناق كثير من علماء الأديان والمجتمعيات لفكرة المجتمع الأمومي الأول، حيث تحمل المرأة مكانة كبيرة في المجتمع، فبينما يذهب الرجل للصيد هي تجمع الأعشاب الطبية، وتلد وتعالج ولديها دورة شهرية متسقة مع الطبيعة، وعلى الأغلب هي أول من أكتشفت الزراعة بسبب تقديس المجتمعات الزراعية بشكل كبير للمرأة، ولأنها هي الوحيدة القادرة على الزرع بينما يهرول الرجل بحثًا عن الطعام.
البعض يقول أن المرأة "لا تحصل على حقوقها" وأننا "مجتمع ذكوري"، ولكن كيف؟ كيف يمكن لهذا أصلًا أن يحدث؟ لا يمكنني إنكار تحول معظم المجتمعات لمجتمعات ذكورية حكمًا ودينًا بشكل أو بآخر، ولكن هذه المجتمعات في بدايتها كانت تخاف من سلطة "الأم الكبرى" في نفوس شعوبها، فالمرأة تجذب نفوس الشعوب، لذا في نظري فإن المراة دائمًا استطاعت أخذ حقوقها من الذكور، وسأبدأ ببعض الحالات الإجتماعية.
أولًا، لا عمل للمرأة، لا أعرف حقًا كيف ينظر نساء العالم الحالي لهذا العرف والتقليد لدينا، ولكن أنا أرى أن فيه ظلم كبير للرجل، فهو مجبر على أن يعيل عائلة بأكملها ويعطي المرأة حنانًا من حين لآخر، ويعطيها جزءًا من المال لتنفقه على نفسها، وما زال البعض يظن انه أمر خاطئ؟! فعليًا بمقياس الأخلاق الحالي فهو يبدو امرًا غير صحيح في نظر المجتمعات الصناعية التي قد تقتل للحصول على عمال، ولكن هذا لا يعني أنه في يوم من الأيام استطاعت النساء خداع الرجال ليحصلوا على هذه المعاملة المميزة، يالدهائهن!
عدم تعليم المرأة يمكن أيضًا النظر إليه بوجهة النظر السابقة، فلآلاف السنين في الماضي لم يكن للعلم أهمية كبرى، لذا فتعليمهن وخروجهن من المنزل يبدو وكأنك تقول "ابنتي ستتعلم لتعمل" وبالتأكيد هذه النظرة كانت تخيف الأب البدائي، حيث معنى ذلك أن ابنته ترفض النعيم الذي سيأتيها عند الزواج، ولكن الحمد لله مرت على سلام عندما بدأ الشباب يطلبون الفتاة المتعلمة بشكل أكبر.
تحشم المرأة، لا أدري كيف للنساء ألا ينظرن له على أنه نعمة، فهو يضمن لهن عدم اثارة شهوات الذكور وأن تكون هي المسيطرة الأولى في العلاقة، فلا تتزوج إلا من تريد، ولا تنكشف إلا على من تريد، حقًا كان من مصلحتها لآلاف السنين هذا التحشم، وخصوصًا أن عدد بويضاتها محدود ويجب أن تنفقهم بحكمة.
تعدد الزوجات، مما لا شك فيه ان تعدد الزوجات ظاهرة تخدم الذكور، وبعض علماء المجتمعيات يشكون انه قديمًا كان هنالك تعدد أزواج للمرأة الواحدة، بحكم مكانتها الكبيرة، شيئ ما يشبه ما كانت تفعله الكاهنات في المعابد -لا تريد ان تعرف ما كان يحدث-، ولكن بقدرة قادر هذا المجتمع الذكوري الذي وضع تعدد الزوجات حدد قوانين قوية له تضمن للزوجة مكانة فظيعة وحق قوي، ويسألنك عن العدل.
وأد البنات، لا يمكنني أن اخبرك سوى أنه كان يفعلها لأنه يحبك، كان يخشى عليك من السبي، ولكنه مجتمع ذكوري متعفن في النهاية لا يمكنني إنكار ذلك.
وهكذا بعد أن نظرنا لكمية الإحترام التي استطاعت المرأة أن تحصدها لنفسها من خلال "اللف والدوران" على المجتمعات الذكورية وذكورها -إن كيدهن لعظيم-، يجب أن ننظر للماضي قليلًا.
عدم ذكر اسم الأم، ليس خجلًا في الحقيقة، بل هو موروث شعبي، في مصر مثلًا كان السحر والسحرة يستخدمون اسم الأم في أعمال السحر، لا يستخدمون اسم ابوك، لأنه على الأغلب معروف، ربما يبين هذا اهمية المرأة في السحر حتى، ويبين كيف يخشى عليها الذكور
المرأة لا تقود سيارة، لا يمكنني سوى إرجاعك لأول نقطتين، فيهما شرح واف لمثل هذه الحالات من الحب المبالغ فيه، على الأقل احمدي الله أنه لم يأدك من الحب.
لا يخفي عليك إعتبار الراقصات في مصر "عوالم" جمع "عالمة"، لأنهن بالفعل عرفن بخفايا الأمور لمدة طويلة جدًا من الزمن، وما زلن.
إلى الماضي
قديمًا، مع بدأ سيطرة الرجل على المجتمع، لأنه ببساطة إنتقل العالم من نظام القرى لنظام المدن، وعدد السكان الضخم والحاجة للقوة في الحكم، وقبل ذلك بقليل عندما بدأت الحروب بين القرى، فزادت مكانة الرجل تدريجيًا، وأستبدل الناس الآلهة المؤنثة بآلهة ذكور تدريجيًا، حتى وصلنا للرومان واليونان وآلهة الأوليمبك الذكورية جدًا حتى أن زيوس حمل من رأسه وفخذه طفلين مرتين متتاليتين، والآلهة الإناث كانت في قمة الذكورية في مجمع الأوليمبك، فعلًا شيئ مدهش كمية الذكورية في الموضوع، أحم، نعود مجددًا لموضوعنا، وعندما أزدادت الذكورية في تلك المجتمعات المدنية، خشيت المرأة على مكانتها، فوضعت بعض القوانين في الأعراف مثل التي ذكرناها بالأعلى وقامت بأمور أخرى.
إيزيس، أقوى الآلهة المصرية، زوجة اوزريس إله العالم السفلي، ولكن لا يعرفها أحد بزوجها، بل بقوتها الخارقة في إستخدام السحر، هذه أكثر قصة يقشعر لها بدني في الميثولوجيا المصرية، حيث ترغب إيزيس في معرفة اسم الإله الأعظم "آمون-رع" ولكنه لا يخبره لأحد، فترسل له حية تعضه وينتشر السم في جسده -ربما هذا يوحي بضعف صورة آمون-رع في أواخر الدولة المصرية- فتأتي وتقترحه عليه علاجه مقابل أن ينطق باسمه الأعلى، فيرفض، ويحاول خداعها، فتضغط على جراحه، فيستسلم لها الإله الأعظم ويرمي اسمه الأعظم في قلبها، لأنه لا يمكن إيصاله بالكلمات، فتملك إيزيس القوة الأعظم في العالم، القوة التي تمكنها من الإحياء والموت والخلق، وتعيد شفاء الإله الكهل، لتعلن المرأة عودتها من جديد!
لا يخفى عليك إطلاق المصريين على المرأة "الست" وأن اسم ايزيس كان ينطق بالمصرية "إست" وبالتأكيد لا يمكنني إخفاء التشابه الفظيع بينهما، ولكن ربما لأن النساء يفهموننا خطأ دائمًا ظنوا أننا نقصد أن نناديهم ب"ست" وهو إله الشر في مصر القديمة، وحقًا لم نحدد كرجال مصريين موقفنا من هذا الهراء، ولكن أعتقد أننا لن نحدده أبدًا لأننا في الغالب نقصد المعنيين، من قال ان إيزيس ليست شريرة!
يجب ذكر أنه من قوة إيزيس، بعد احتلال الرومان لمصر، إنتقلت عبادتها لهم، حقًا المرأة لديها قدرات خارقة.
تعامة وعشتار ونسخها الأخرى في العالم أجمع من الآلهة الذين كانوا يمثلون الخلق والمياه الأولى، أحتفظوا بمكانتهم حتى الآن، أعرف أنك لا تعبد تعامة، ولكن دعنا نفكر قليلًا، مثلًا الجمع التكسير والمؤنث السالم في لغتك كيف تخاطبه؟ بصيغة المؤنث صحيح؟ جمع ماء ماذا؟ مياه؟ المياه أعظم من الماء، وأنت تؤمن أنه في البدء كانت المياه، ولكن حقًا أنت في الأغلب إن كنت مسلمًا تؤمن أن "كان عرشه على الماء" لا يمكنني سوى إعلان هزيمتي أمامك، فالقرآن فعلًا يهتم بادق التفاصيل بشكل رهيب.
يعتقد أغلب علماء الأديان أن "إيل" أو "إل" إله الديانة اليهودية في بدايتها، كانت له زوجة وهي "إيلات" والتي يمكن بذلك تفسير العديد من الأمور مثل معنى إيلات نفسه، وذكرها عدة مرات في التوراة، وأيضًا تفسير لماذا كان العرب يعبدو "اللات" ولا يخفى عليك الشبه، وأيضًا مكانة الآلهة المؤنثة عند العرب رغم ذكوريتهم المبالغ فيها، فهم كانوا مجتمع تجاري يفرض للذكورة ان تفرض نفسها لحماية القوافل وحمل الأثقال وما شابه ذلك.
الملكات قديمًا، مثل زنبوبيا وملكة سبأ، وملكات مصر من حتشبسوت وشجرة الدر، وملكة السعودية زوجة الملك فيصل التي ساعدت لتعليم الفتيات، والجماعة الهندية من النساء اللائي يرتدين البنفسجي -لا يمكننا التفرقة بين درجاته- ويضربن الرجال الذين يسيئون لأزواجهم، يظهر لنا مقدار وأهمية مجتمع النساء، المتواجد دائمًا داخل كل مجتمع ذكوري، فهو يقود الذكور للحروب -حرب البسوس وما شابهها- ويدعمنهم -تشجيع النساء له تأثير كبير على الرجال-، من سيطرتها على الحياة الدينية -لا أريد أن أذكرك بما كان يفعله كهنة المعابد الأوائل من الذكور وما كان يجب عليهم أن يفقدوه، على الأغلب هو أعز شيئ لديك كذكر- وقيادتها دائمًا في مصلحتهم، اللهم بعض الحالات الشاذة مثل الديانة اليهودية القاسية جدًا تجاه المرأة، ولكن بحكم بداوة اليهود الأوائل يمكنني القول أنهم كانوا يفعلون ذلك لحماية المرأة وأنها لم تعارض، وحاليًا يغيرون أفكار مجتمع استمرت لآلاف السنين في مئة سنة فقط ويسمحن لأنفسهن بالعمل وقريبًا سيجعلوننا نغير ديننا وأعرافنا بشكل كامل، يا رجل أنظر كيف غيروا بنية المجتمع هكذا فجأة!! كيف فجأة استطاعوا التغلب على أفكار استمرت لآلاف السنين!!
ومن موقعي هذا، أحب أن ألقي التحية وأرفع قبعتي وما تبقى من شعر رأسي إحترامًا للنساء، وأحب أن أذكرهم بكلامي هذا"والله لترجعوا وتندموا" لأنهم ببساطة تخلوا عن الراحة وقعدة المنزل، وقرروا العمل وتناسوا أنهم لم يغيروا أفكار المجتمع كلها، فما زال عليكم تربية الأطفال!!
وشكرًا.
هذا الموضوع برعاية منتدى فتكات، لأننا نؤمن بأهمية المرأة وبالمرأة نفسها، ونهتم بالمرأة، شكرًا يا مرأة.
التعليقات