قصة صديقي "فهمان" مع التضخم والاستثمار

(بقلم: إسلام جهادالدين، ماجستير إدارة الأعمال، مُهتم بالشؤون الاقتصادية والإصلاح المؤسسي)

ملخص:

بداية من وباء كورونا مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية وتمر مصر بالعديد من الأزمات الاقتصادية التي أسفرت عن العديد من موجات الغلاء في السلع الأساسية التي يعتمد عليها المصريين بصفة رئيسية في حياتهم اليومية، وقادت تلك الموجات إلى العديد من التساؤلات حول آليات اتخاذ القرار وإدارة الأزمة داخل دوائر صنع القرار الاقتصادي في مصر. وقد سردنا في مقالات سابقه العديد من النظريات حول صناعة القرار الاقتصادي وتوقعات الفترة القادمة ولكن هنا في هذا المقال نحاول تقديم العديد من التوصيات للأفراد غير المتخصصين الراغبين في تلافي آثار الأزمة الاقتصادية الحالية من خلال أدوات ادخارية واستثمارية مختلفة.

قصة "فهمان" مع التضخم:

شهدنا مؤخرًا ارتفاعًا جنونيًا في معدلات التضخم خلال الأشهر السابقة في مصر حيث ارتفعت أسعار كافة السلع بشكل ضخم بنسب تصل إلى 100% في بعض السلع، ولمحاولة التبسيط لغير المتخصصين وفهم الفرق بين القرار الادخاري والاستثماري ومختلف الأدوات لكلا المسارين سأقوم بمحاولة شرح تلك المفاهيم من خلال أمثله من واقع المجتمع المصري من خلال قصة صديقي "فهمان" والذي يعمل في وظيفة ثابته مستقرة براتب 10 آلاف جنية شهريًا في أحدي الشركات كما انه في عام 2019 يملك مدخرات 100 ألف جنية يفكر في استثمارها.

أولاً - الدجاج:

  • شهر أبريل عام 2019 قد بلغ سعر كيلو الدجاج 27 جنية 
  • شهر أبريل عام 2020 قد بلغ سعر كيلو الدجاج 30 جنية
  • شهر أبريل عام 2021 قد بلغ سعر كيلو الدجاج 34 جنية
  • شهر أبريل عام 2022 قد بلغ سعر كيلو الدجاج 37 جنية
  • شهر أبريل عام 2023 قد بلغ سعر كيلو الدجاج 63 جنية

في عام 2019 كان صديقي "فهمان" من خلال راتبه الشهري يستطيع شراء 370 دجاجة شهريًا بمعني أن راتب "فهمان" يساوي 370 دجاجة بينما في عام 2020 انخفض عدد الدجاج الذي يستطيع "فهمان" شراؤه إلي 333 دجاجة بنسبة انخفاض 10%. ثم في عام 2021 انخفض راتب "فهمان" مجددًا بنسبة 11% ليستطيع شراء عدد 294 دجاجة. ثم في عام 2022 انخفض راتب "فهمان" مجددًا بنسبة 8% ليستطيع شراء عدد 270 دجاجة فقط.

بينما حاليًا في شهر أبريل 2023، انخفض راتب "فهمان" مجددًا بنسبة 41% حيث أصبح يستطيع شراء 158 دجاجة فقط.

ثانيًا – اللحوم:

  • شهر أبريل عام 2019 قد بلغ سعر كيلو اللحم حوالي 110 جنية 
  • شهر أبريل عام 2020 قد بلغ سعر كيلو اللحم حوالي 120 جنية
  • شهر أبريل عام 2021 قد بلغ سعر كيلو اللحم حوالي 130 جنية
  • شهر أبريل عام 2022 قد بلغ سعر كيلو اللحم حوالي 160 جنية
  • شهر أبريل عام 2023 قد بلغ سعر كيلو اللحم حوالي 240 جنية

وبتطبيق نفس مثال الدجاج، وهو شراء الحوم بكامل راتب صديقي "فهمان" يتضح أن راتب "فهمان":

قد انخفض من عام 2019 حتى 2020 بنسبة 8%.

ثم انخفض من عام 2020 حتى 2021 بنسبة 8%.

ثم انخفض من عام 2021 حتى 2022 بنسبة 18%.

ثم انخفض من عام 2022 حتى شهر أبريل 2023 بنسبة 33%.

الدروس المستفادة:

بالرغم من أن صديقي "فهمان" يحصل على نفس الراتب بشكل ثابت شهريًا 10 آلاف جنية، إلا انه -عمليًا لا يستطيع شراء نفس الاحتياجات التي كان يستطيع شراؤها سابقًا وهذا هو مفهوم "التضخم" أنك تملك نفس الأموال التي كنت تملكها العام الماضي ولكنك لا تستطيع شراء نفس الاحتياجات لان أسعارها قد ارتفعت وهذا ينعكس على قيمة مصادر دخلك ومدخراتك لان قيمتها انخفضت.

وبهذا تعلم "فهمان" بشكل عملي وبالممارسة أنه من الضروري أن يبدأ رحلته مع الاستثمار ليتجنب ويتلافى آثار التضخم ويحافظ على قيمة أمواله.

قصة "فهمان" مع الادخار والاستثمار:

كما ذكرنا سابقًا "فهمان" صديقي في عام 2019 امتلك مدخرات بقيمة 100 ألف جنية وبعد أن شعر بالتضخم وفهم أن الأموال لها قيمة زمنية تنخفض بمرور الوقت، قرر "فهمان" انه يجيب عليه استثمار أمواله ولكنه لا يعلم كيف يستثمر أمواله، وبعد بحث بسيط على مواقع التواصل الاجتماعي وسؤال الأهل والأصدقاء قرر "فهمان" الاستثمار في الأخيار الآمن وهو وضع مدخراته (100 آلف جنية) في شهادة ادخارية في البنك.

قرر "فهمان" وضع أمواله في البنك وربطها شهادة ادخارية وقد كانت الفائدة في عام 2019 هي 19% سنويًا، بمعني أن "فهمان" إذا وضع مدخراته (100 ألف) في البنك في عام 2019 سوف يأخذها في عام 2020 مع عائد 19% ولكن هل هذا العائد هو صافي مكسب؟ الإجابة لا.

في البداية نقوم بحساب مقدار انخفاض قيمة الأموال "التضخم"، على سبيل المثال وكما ذكرنا سابقًا، في عام 2019 انخفض قيمة راتب "فهمان" بنسبة 10% بُناء على مؤشر الدجاج و 8% بُناء على مؤشر اللحوم (إذا متوسط انخفاض قيمة راتب "فهمان" هي 9% بُناء على حساب المتوسط فقط على الدجاج واللحوم) إذا العائد الحقيقي لـصديقي "فهمان" هو 10% وليس 19% لان خلال هذا العام قيمة أمواله قد انخفضت بنسبة 9%.

وهذا ما يسمي بـمفهوم "الفائدة الحقيقية" أو "العائد الحقيقي".

وهو أن تقوم المؤسسات المعنية بحساب التغير السنوي في أسعار كافة السلع الأساسية (كما فعلنا سويًا في الدجاج واللحوم) واخذ متوسط وإصدار مؤشر التضخم السنوي بُناء على أسعار هذه السلع.

ثم نقوم بطرح سعر الفائدة من معدل التضخم وبهذا نحصل على "العائد الحقيقي" من وضع أموالي في البنك أو في أي استثمار آخر.

ترشيحاتي للخيارات الاستثمارية خلال الفترة الحالية:

بعدما تطرقنا إلى قصة "فهمان" مع التضخم وقصته مع الاستثمار، وذلك بهدف بناء خلفية استثمارية بسيطة جدًا لغير المتخصصين حول المفاهيم الرئيسية للاقتصاد والاستثمار. الآن أقوم بترشيح لكم بعض الخيارات والتي هي خلاصة خبراتي الأكاديمية والعملية وتجارُبي الاستثمارية الشخصية في تلك الأدوات الاستثمارية.

1.    شهادات البنوك:

تقدم البنوك حاليًا عائد سنوي على الشهادات الادخارية حوالي 16% بينما معدل التضخم المعلن من البنك المركزي بتاريخ 10 أبريل 2023 هو 39.5%. إذا وضعت مدخراتك حاليًا في شهادة ادخارية بعائد 16% لمدة عام ستكون صافي العائد هو (سالب 23.5%) أي أنك ستكون قد انخفضت قيمة أموالك بنسبة 23.5%.

2.    الذهب:

الذهب هو إحدى الخيارات المفضلة بشدة للمصريين، حيث أنها ثقافة مترسخة منذ مئات السنوات، في السنوات السابقة تضعف سعر الذهب بنسبة تتجاوز 100%، ولكن رأيي أن الذهب حاليًا هو مُقيم بسعر أضخم من السعر العادل له وذلك بسبب الممارسات الغير قانونية من بعض التجار بالإضافة إلى الطلب الضخم من المصريين عليه لحفظ قيمة أموالهم من الانخفاض. ولكن وجب التوضيح، الذهب هو وعاء ادخاري وليس استثماري. بمعني أن الذهب يحفظ قيمة أموالك ولكنه لا يُعد استثمار. على سبيل المثال:

إذا كنت تستطيع شراء شقة على النيل سعرها 100 ألف جنية أو تستطيع شراء سيارة ماركة سعرها 100 ألف جنية. ولكنك فضلت الاستثمار، وفي شهر أبريل عام 2022 قمت بشراء ذهب عيار 21 بمبلغ 100 ألف جنية، علمًا بأن سعر الذهب عيار 21 يوم 28 أبريل عام 2022 قد كان 1092 جنية للعيار، بمعني أنك قد قمت بشراء 91.5 جرام ذهب عيار 21.

ثم بعد مرور عام، في 28 أبريل عام 2023، وصل سعر الذهب عيار 21 إلى 2775 جنية بزيادة وصلت 60% في سعره. وأنت قد قررت بيع كل الذهب (91.5 جرام) وقد حصلت على مبلغ 254 ألف جنية، هل هذا يعني أنك قد حققت ربح 60%؟ للأسف الإجابة لا هذا غير صحيح. لأنك إذا ذهبت لشراء نفس الشقة أو السيارة ستجد أن سعرها قد تغير وارتفع وأصبح مبلغ مقارب إلى 250 ألف جنية بمعني انه تقريبًا سعر الشقة والسيارة ارتفع بنسبة 60% أيضا وهذا يوضح لك أنك بشراء الذهب قد حافظت على قيمة أموالك من الانخفاض في وعاء ادخاري ولكنه ليس استثمار لأنك ببساطة لم تحقق عائد.

ولكني انصح بشراء الذهب (سبائك / جنيهات) للذين لا يرغبون في المخاطرة بأموالهم ولا يرغبون في وعاء ادخاري آمن مضمون يحفظ قيمة أموالهم، علمًا بأنك اذا قمت بشراء ذهب يجيب عليك أن تحفظه لمدة لا تقل عن عامين حتى تحقق الهدف وهو حفظ قيمة أموالك. وتوقعي الشخصي أن سعر الذهب في مصر سيصل إلي حاجز 4 آلاف جنية للجرام خلال عام 2024.

3.    البورصة المصرية والعالمية:

البورصة هي الخيار المرعب والمخيف أحيانًا لغير المتخصصين، حيث أنها تشكل مساحة من عدم الوضوح لأنهم لا يستطيعون فهمها أو التعامل معها.

وببساطة، البورصة هي سوق تستطيع من خلاله شراء أوراق ملكية في الشركات، بمعني أنك من خلال البورصة تستطيع شراء سهم يجعلك شريك ومستثمر ومالك في أي شركة مُدرجة في هذه البورصة. وبُناء على أداء هذه الشركة نكون شركاء، إذا حققت الشركة ربحًا تقوم بتوزيع الأرباح على المساهمين (حاملي الأسهم) وفي حالة خسارة الشركة تكون الخسارة أيضا على المساهمين (حملة الأسهم).

ومن وجهة نظري، تُعد البورصة المصرية حاليًا بها العديد من الفرص الاستثمارية حيث أن الأسعار مناسبة جدًا للدخول وشراء أسهم وحفظها لمدة طويلة حتى تسقر الأوضاع وتعاود الارتفاع مجددا وخاصة ان هناك شركات واعده متوقع أن تحقق أداء قوي خلال الفترة القادمة (وتلك التوقعات بُناء على الأداء التاريخي لتلك الشركات، والتقييم المالي لها) ونفس المنطق ينطبق على البورصات العالمية، جميع البورصات حاليًا في فترة أداء منخفض نتيجة الأزمات العالمية ورفع معدلات الفائدة من الفيدرالي الأمريكي، وهي فرصة واعده للدخول للأسواق حاليًا وتكوين محفظة متنوعه من الأسهم الواعدة والتي ستحقق لك هدف الحفاظ على قيمة أموالك بالإضافة إلي تحقيق عائد في حالة المكسب.

وتستطيع الدخول والاستثمار في البورصة من خلال إحدى شركات السمسرة مثل:

-       شركة مباشر مصر (بورصة مصرية)

-       شركة مباشر جلوبل (بورصة عالمية)

-       شركة بايونيرز (بورصة مصرية)

-       شركة النعيم (بورصة مصرية وعالمية)

-       شركة الجذور (بورصة مصرية)

-       كما انه يمكنك الدخول بنفسك وتجربة الاستثمار في البورصة المصرية من خلال تطبيق "ثاندر".

4.    صناديق الاستثمار:

نفس فكرة الاستثمار في البورصة وأسواق المال، تكون شركات لإدارة الأموال والاستثمار وتعمل تلك الشركات لإدارة صناديق استثمارية للمستثمرين وتقوم تلك الشركات بتعيين الكفاءات اللازمة لإدارة الأموال وضمان تحقيق أقصى عائد ممكن بالتناسب مع نسبة المخاطرة المقبولة من العميل.

ومن امثله تلك الشركات:

-       شركة ازيموت مصر (إدارة صناديق ومحافظ متنوعه).

-       شركة CI capital (إدارة صناديق ومحافظ متنوعه).