لم أعد أحسب عدد المرات التي قمت بها بكتابة و حذف هذا الموضوع، و لكني قررت بالنهاية أن أكتبه و أرسله و أندم لاحقاً على هذا '-'

يقول غسان كنفاني : الصمت هو صراخ أكثر لباقة بكرامة الإنسان، و لما كنت شخصا لا يصرخ أو يتحدث كثيراً لطالما لجأت للكتابة كآخر وأول طرق التعبير، و هنا يأتي سبب كتابتي هذا الموضوع على الملأ كنوع من أنواع زيادة جرعتي في التعبير و كعلاج احترازي لصداع رأسي الذي سيدوم طويلا إن لم أتخلص من هذه الأفكار.

قبل أيام قليلة توفيت أمي، مخلفة فراغ أقل ما يقال عنه أنه عظيم، و ألما رهيبا في نفوسنا، العزاء و العذاب يأتيان من مصدر واحد : فقدنا إنسانة رائعة من حياتنا.

..محاولات التعويض، بالطبع مستحيلة فلا يوجد شخص من الممكن أن يحل مكان آخر أو يستبدله و لو بقدر ضئيل..

لماذا أخبركم بهاته الأمور الشخصية الآن؟

قبل فترة ليست قصيرة بدأت ارتب الصورة التي يجب أن تكون عليها حياتي، بعد الكثير من التفكير و الأرق ووو..وجدت أن مطلبي بالحياة بسيط جداً : أريد أن أترك أثراً طيباً، فقط.

قد يكون هذا الأثر ممتدا أو قصيرا لحظيا و لكن تؤرقني فكرة أن يكون طيباً قبل كل شيء، و لما كنت من محبي القراءة، وجدت أن هذه المتعة انتشلتني من الكثير من المواقف الصعبة، حين كنت أغرق في تفاصيل قصة ما حتى أشهق : ياه ما هذا الوصف الرائع، لم أكن لأفهم نفسي أفضل لولا هذا الكتاب. .هذا، هذا التفصيل الصغير بالذات هو ما يجعل حياتي فعلا تستحق، و آخذ بالتفكير، ماذا لو كتم الكاتب هذا بنفسه، هل كنت لأصل لفهم نفسي بذات السرعة و العمق؟

المرات المتكررة لهذا الشعور، جعلتني أشعر بأن علي أن ارد جزءاً مهما صغر من هذا الشعور للعالم، شخص ما في مكان ما، يقرأ شيئاً ما أكتبه و يكون للحظة مهما كانت بسيطة أقرب لأن يفهم ما تدور حوله الحياة أو نفسه.

فهذا ..هذا محور القصد الذي ادور حوله الآن. .هذه بضعة دروس سريعة من خلال الفترة التي مررت بها..

..إذا حدث ولا سمح الله وقعت في ضيق شديد، فعليك بهذا الوقت بالذات أن تنتبه لتعامل المحيطين بك، قد تكون بضعة أيام أو ساعات كفيلة بكشف ما يوازي عمرا من نوايا الناس، و في تلك اللحظة التي تدرك من هو الشخص الذي يستحق أن تقاتل لأجله تمسك به.

..لا تؤجل الإفصاح عن مشاعرك، خاصة الإيجابية منها، لا أعرف متى بدأت تلك الجذور تضرب فينا هكذا : ضع الجميع على مسافة، لا تبادر لا تعانق لا تفعل كذاو كذا، هذه الأمور لا تفعل سوى ان تعزل الجميع في فقاعات بعيدة عن بعضهم، و هذا هو أصلا جوهر الحياة : التواصل الصحيح.

بالطبع لا أندم على لحظة واحدة أخبرت بها أمي انها مذهلة و رائعة، و جبارة و نعم الصديقة..أو حتى جدالاتنا حول الأشياء البسيطة كنقدها طريقة شربي الماء دفعة واحدة، أو الألقاب التي كانت تفاكهني بها كأكثر شخص يعشق الخبز على وجه الأرض. .هذه اللحظات الصغيرة ليست صغيرة كما يبدو بل هي كل ما ستبقى منه أعمرانا بعد مضينا، فحاول أن تجعل أكثرها يستحق أن يذكر.

..هذا أيضاً سيمضى، كما تقول هيلين كيلر، لا الوقت السعيد يدوم ولا التعيس لذلك تجلد ما استطعت أيام ضعفك و جد وقتا متجددا للفكاهة.

..كن صريحاً، هذه نصيحة أقولها لي و لك، الصراحة مريحة جدا، و أفضل مئة مرة من الكتمان، فلا أتفق مع مبدأ السكوت من ذهب، إطلاقاً، اللهم إعرف كيف تتحدث و تتواصل.

..لن يشعر أحد تماماً بما تشعر، لذلك لا تحاول إرغام أيهم على هذا، عندما علمت بوفاة امي شعرت كما لو زلزالا خفيا قد حطمني تماماً، الحياة من حولي استمرت كما هي، ثلاثة أيام متوالية من شراء الصحف أكدت لي هذا، البنوك تعمل..المخابز..المدارس...لم يتوقف شيء..الامر يحتمل وجهين من العزاء أو العذاب الأمر بالنهاية منوط بك.

..في النهاية، أتمنى لكم بداية عام سعيدة و قوة تمكنكم من ترك أثر طيب في نفوس من حولكم..