دخلتُ غرفته بصمتٍ، كأنني أزحف في ذاكرته بخجل…

كان جالسًا على كرسيه المعتاد، يحدّق في الفراغ، وفي عينيه غيومٌ لا أمطار فيها.

قلتُ بهمس:

ـ السلام عليك يا أبي…

فالتفت إليّ، نظر طويلًا، ثم قال:

ـ من أنت؟

ابتسمتُ رغم ارتباكي، قلت:

ـ أنا فلان… ابنك يا أبي.

طأطأ رأسه قليلًا، وكأن الاسم يحفر له طريقًا في زحام الذاكرة، ثم تمتم:

ـ فلان… فلان…

آه… كنتَ مشاغبًا جدًا… كيف لي أن أنساك يا طفلي؟

ضحكتُ بمرارة.

ـ يا أبي… أنا لستُ طفلًا… أنا هنا أمامك، رجُلٌ أنهكته الحياة، ولا زال يتوق لحضنك.

ـ لا أدري يا بني…

ربما هرمت… وربما ذاكرتي تعبت من كل الوجوه…

لكني ما نسيت حبك.

تسمرتُ مكاني…

كم هو قاسٍ أن يتذكرك كطفل… ولا يعرفك كرجل.

أن يحمل حبك في قلبٍ لا يذكر اسمك…

أن تنظر في عينيه وتبحث عن نفسك، فلا تجدها…

سوى في أطياف الماضي.

أردتُ أن أبكي، لكنني فقط اقتربت، جلستُ عند قدميه،

وضممتُ يديه إلى وجهي، وقلت:

ـ لا يهم يا أبي… حتى لو نسيتني…

أنا سأتذكرك عنّا معًا.