عندما كنتُ في العام الدراسي الثاني في الجامعة، طُلِب منّا أن نكوّن مجموعاتٍ من خمسة طلاب، وأن نُعدَّ بحثًا عن أحد الموضوعات.

لذلك قررنا الذهاب إلى المكتبة، وفي أثناء الطريق قابلتُ صديقًا ومعه مجموعةٌ أخرى، وكانت من بينهم فتاة تُدعى "رويدا".

كنتُ أراها لأول مرة، فهي لا تحضر المحاضرات.

كانت ملامحها لطيفة، مبتسمة دائمًا، ونظراتها تبعث على شعورٍ بالدفء.

كانت ترتدي بنطال جينز مع قميصٍ نسائي، وتضع حجابًا يغطي نصف شعرها.

تحدثتُ معها قليلًا، ربما لبضع دقائق، في بعض الأمور الدراسية، حتى وصلنا إلى المكتبة وتفرّق كلٌّ منّا في طريقه.

لا أذكر أنني تحدثتُ معها مرةً أخرى، لكني أتذكر رؤيتها في لحظةٍ عابرة خلال إحدى المحاضرات، بعد عامٍ تقريبًا.

وفي نهاية العام الدراسي الأخير في الجامعة ، وبعد انتهاء الاختبارات، علمنا من بعض الأصدقاء أنها قد فارقت الحياة.

في تلك اللحظة، لا أعرف لماذا شعرتُ بألمٍ في صدري.

وهذا ليس من طبعي عند سماع خبر الوفاة؛ فأنا لا أتأثر عادةً بالموت، وأعتبره أمرًا طبيعيًا، فكلنا سنموت يومًا ما.

دخلتُ إلى جروب الدفعة على "فيسبوك" لأتأكد:

هل هي رويدا التي أعرفها، أم تشابه أسماء؟

وبعد أن تأكدتُ، ظهر أمامي منشورٌ كتبه شقيقها، يطلب فيه ألّا نقوم بإعادة نشر أي صورٍ لها، لأن كل صورها بملابس لا تناسب المسلمات.

وبعد فترة، قاموا بإغلاق حسابها وحذف جميع صورها.

منذ ذلك اليوم وحتى الآن، وبعد مرور ثلاث سنوات، لا أستطيع التوقف عن التفكير فيها.

هل غفر الله لها تقصيرها؟

هل هي مُعذَّبة في قبرها؟ أم مُنعَّمة؟

وفي كل مرةٍ أدعو لنفسي، يجب أن أدعو لها.

ورغم أنني لم أعد أتذكّر ملامح وجهها جيدًا، إلا أنني ما زلتُ أذكر تلك الابتسامة الدافئة.

وكلما أتذكرها، يعود إليَّ ذلك الألم نفسه الذي شعرتُ به عند وفاتها.